الشيعة الإمامية وجميع الفقهاء وإنما خالف في ذلك مالك والأوزاعي وأهل الظاهر وراعوا في نجاسة الماء القليل منه والكثير تغير أحد أوصافه من طعم أو لون أو ريح. والحجة في صحة مذهبنا إجماع الشيعة الإمامية وفي إجماعهم عندنا الحجة وقد دللنا على ذلك في غير موضع من كتبنا وأيضا قوله تعالى: ويحرم عليهم الخبائث وقوله تعالى: والرجز فاهجر، وقوله تعالى: حرمت عليكم الميتة والدم. وهذه الظواهر تقتضي تحريم النجاسة من غير مراعاة لتغير الأوصاف التي هي الطعم واللون والرائحة.
المسألة الثانية:
إن وقعت النجاسة في ماء كثير لم ينجس ما لم يتغير أحد أوصافه والكثير ما بلغ قلتين فصاعدا قد اختلف الفقهاء في هذه المسألة فقالت الشيعة الإمامية: إن الماء الكثير لا ينجس بحلول النجاسة فيه إلا بأن يغير لونه أو طعمه أو رائحته وحد الكثير عندهم ما بلغ كرا فصاعدا وحد الكر ما وزنه ألف ومائتا رطل بالرطل المدني والرطل المدني مائة وخمسة وتسعون درهما وقال أبو حنيفة وأصحابه: كل ماء تيقنا حصول النجاسة فيه أو غلب في ظننا ذلك فهو نجس لا يجوز استعماله قليلا كان الماء أو كثيرا، تغيرت صفاته، أو لم تتغير. وراعى مالك والأوزاعي وأهل الظاهر في الماء القليل والكثير تغير الأوصاف وراعى الشافعي القلتين فما بلغه المقدار عليه لم ينجس عنه وما نقص عنها نجس وقال الحسن بن صالح بن حي: إذا كان الماء أقل من كر وحلته نجاسة نجس. وحد الكر بأنه ثلاثة آلاف رطل.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه قوله تعالى: وأنزلنا من السماء ماء طهورا. وقد علمنا أن الماء الكثير إذا خالطه نجاسة فلم يتغير أحد أوصافه لم يخرجه من أن يكون منزلا من السماء ومن أن يكون مستحقا لهذا الوصف فيجب أن يكون الحكم المقترن بهذا الاسم لازما ما لزمه هذا الاسم. وقد روى أصحاب الحديث عن النبي ص أنه قال: إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا. وروى الشيعة الإمامية عن أئمتها ع بألفاظ مختلفة ووجوه مختلفة أن الماء إذا بلغ كرا لم ينجسه ما يقع فيه من نجاسة إلا بأن يغير أحد أوصافه