وجهين أحدهما قوله: ويذهب عنكم رجز الشيطان والرجز والرجس والنجس بمعنى واحد يدل على ذلك قوله تعالى: والرجز فاهجر وأراد به عبادة الأوثان فعبر عنها تارة بالرجز وأخرى بالرجس فثبت أن معناهما واحد وإذا سمى الله المني رجزا ثبتت نجاسته والوجه الثاني من دلالة الآية أنه تعالى أطلق عليه اسم التطهير والتطهير لا يطلق في الشرع إلا لإزالة النجاسة أو غسل الأعضاء الأربعة ويدل على ذلك ما رواه عمار بن ياسر رحمه الله أن النبي قال: إنما يغسل الثوب من البول والدم والمني وهذا يقتضي وجوب غسله وما يجب غسله لا يكون إلا نجسا وقد نبه على نجاسته من وجه آخر وهو الجمع بينه وبين النجاسات كالدم والبول فأما المذي فعندنا أنه ليس بنجس ولا ينقض الوضوء وخالفنا جميع الفقهاء في ذلك إلا أن مالكا قال في المذي أنه إن خرج على وجه يخالف العادة وزاد على المعتاد لم ينقض الوضوء والذي يدل على ذلك إجماع الفرقة المحقة وأيضا فالمذي مما يعم البلوى به ويكثر ويتردد ظهوره فلو كان نجسا وحدثا لتظاهر الخبر بذلك على وجه لا يمكن دفعه ويعلم ضرورة من دينه ع كما علم في نظائره من البول والغائط وما جرى مجراهما وأيضا فإن الأصل الطهارة والنجاسة إنما يعلم بالشرع على سبيل التجدد ولم ينقطع عذر بالشرع يوجب العلم في أن المذي نجس وأنه ينقض الوضوء وقد روى أصحابنا من طرق مختلفة بأنه طاهر لا ينقض الوضوء وخبر عمار الذي تقدم ذكره يدل على طهارته لأنه روي عنه ع أن الثوب لا يغسل إلا من أشياء مخصوصة ليس فيها المذي.
المسألة الخامسة عشرة:
الدم كله نجس عندنا إن دم السمك طاهر لا بأس بقليله وكثيره في الثوب وكذلك ما لا دم له سائل نحو البراغيث والبق وهو مذهب أبو حنيفة وأصحابه، وقال مالك في دم البراغيث: إنه إذا تفاحش غسل وإذا لم يتفاحش لا بأس به، وقال: يغسل دم السمك والذباب وسوى الشافعي بين الدماء كلها في النجاسة وأما دليلنا على طهارة دم السمك فهو بعد إجماع الفرقة المحقة وقوله تعالى: أحل لكم صيد البحر وطعامه يقتضي إباحة