بلزوم تعين الأقرب مع احتمال تعبد في المقام ولو ضعيفا.
ومما ذكرنا يظهر النظر في كلام بعض أهل النظر (1) حيث قال ما ملخصه: ان القرب إلى الواقع ان لم يلحظ أصلا فهو مناف للطريقية وان كان بعض الملاك وهناك خصوصية أخرى تعبدية فهو غير ضائر بالمقصود لأن فتوى الأعلم (ح) مساو لغيره في جميع الخصوصيات ويزيد عليه بالقريب، سواء كانت تلك الخصوصية التعبدية جزء المقتضى أو شرط جعله أمارة فيكون فتوى الأعلم متعينا لترجيحه على غيره بالملاك الذي هو ملاك الحجية ولهذا قياسه على البصر والكتابة مع الفارق لكونهما غير دخيلين في ذلك الملاك لأن معنى الأعلمية ليس الأقوائية بحسب المعرفة بحيث لا تزول بتشكيك حتى يقاس عليهما، بل بمعنى أحسنية الاستنباط وأجوديته في تحصيل الحكم من المدارك فيكون أكثر إحاطة بالجهات الدخيلة فيه المغفولة عن نظر غيره فمرجع التسوية بينهما إلى التسوية بين العالم والجاهل، وهذا وجه آخر لتعين الأعلم ولو لم نقل بأقربية رأيه أو كون الأقربية ملاك التقديم لأن العقل يذعن بان رأيه أوفق بمقتضيات الحجج وهو المتعين في مقام إبراء الذمة ويذعن بان التسوية بينهما كالتسوية بين العالم والجاهل (انتهى) وفيه مواقع للنظر:
منها ان الخصوصية التعبدية لا يلزم ان تكون جزء المقتضى ولا شرط التأثير بل يمكن ان تكون مانعة عن تعين الأعلم كالخصوصية المانعة عن إلزام الاحتياط الموجبة لجعل الأمارات والأصول من غير لزوم الموضوعية.
ومنها ان أحسنية الاستنباط وكون الأعلم أقوى نظرا في تحصيل الحكم من المدارك عبارة أخرى من أقربية رأيه إلى الواقع فلا يخلو كلامه من التناقض والتنافي.
ومنها ان إذعان العقل بما ذكره مستلزم لامتناع تجويز العمل على طبق رأي الأعلم لقبح التسوية بين العالم والجاهل بل امتناعه وهو كما ترى ولا أظن التزام أحد به، والتحقيق ان تجويز العمل بقول غيره ليس لأجل التسوية بينهما بل لمفسدة التضييق أو مصلحة التوسعة ونحوهما مما لا ينافي الطريقية كما قلنا في محله.