فان الظاهر من قوله: «ممن روى حديثنا» أي كان شغله ذلك وهو الفقيه في تلك الأزمنة، فان المتعارف فيها بيان الفتوى بنقل الرواية كما يظهر للمتتبع، فالعامي ومن ليس له ملكة الفقاهة والاجتهاد خارج عن مدلولها.
وان شئت توضيحا لذلك فاعلم انه يمكن ان يستدل على الاختصاص بالمجتهد وخروج العامي بقوله: «نظر في حلالنا وحرامنا» لا من مفهوم النظر الذي يدعى انه بمعنى الاستنباط والدقة في استخراج الأحكام، وان كان لا يخلو من وجه، بل لقوله: «حلالنا وحرامنا» فان الحلال والحرام مع كونهما من الله تعالى لا منهم انما نسبا إليهم لكونهم مبينين لهما وانهم محال أحكام الله فمعنى النظر إلى حرامهم وحلالهم هو النظر إلى الفتاوى والاخبار الصادرة منهم فجعل المنصب لمن نظر في الحلال والحرام الصادرين منهم أي الناظر في اخبارهم وفتاواهم وهو شأن الفقيه لا العامي، لأنه ناظر إلى فتوى الفقيه لا إلى اخبار الأئمة.
ودعوى إلقاء الخصوصية عرفا (مجازفة محضة) لقوة احتمال ان يكون للاجتهاد والنظر في اخبارهم مدخلية في ذلك، بل لو ادعى أحد القطع بان منصب الحكومة والقضاء بما لهما من الأهمية وبمناسبة الحكم والموضوع انما جعل للفقيه لا العامي ليس بمجازف.
ويمكن الاستدلال بقوله: «عرف أحكامنا» من إضافة الأحكام إليهم كما مر بيانه ومن مفهوم عرف، فان عرفان الشيء لغة وعرفا ليس مطلق العلم به بل متضمن لتشخيص خصوصيات الشيء وتمييزه من بين مشتركاته، فكأنه قال: انما جعل المنصب لمن كان مشخصا لا حكامنا ومميزا فتاوانا الصادرة لأجل بيان الحكم الواقعي وغيرها مما هي معللة ولو بمؤنة التشخيصات والمميزات الواردة من الأئمة عليهم السلام لكونها مخالفة للعامة أو موافقة للكتاب، ومعلوم ان هذه الصفة من مختصات الفقيه وغيره محروم منها و (بالجملة) يستفاد من الفقرات الثلث التي جعلت معرفة للحاكم المنصوب ان ذلك هو الفقيه لا العامي.
ويدل على المقصود قوله فيها: «وكلاهما اختلفا في حديثكم» فان الظاهر من الاختلاف فيه هو الاختلاف في معناه لا في نقله وهو شأن الفقيه، بل الاختلاف