وقال أيضا: " بدع الشئ يبدعه بدعا وابتدعه: أنشأه وبدأه.... وأبدعت الشئ اخترعته لا على مثال. والبديع من أسماء الله تعالى لإبداعه الأشياء وإحداثه إياها. وهو البديع الأول قبل كل شئ ". (1) أقول: الآيات الكريمة صريحة في أن الله سبحانه خلق السماوات والأرض وجميع ما سواه من الخلق مبتدئا ومبتدعا به. ومعنى ابتدائه وابتداعه الخلق هو شروعه تعالى فيما لم يكن أصلا. وخلقه تعالى واختراعه وإنشاؤه الخلق لا يكون إلا عن قدرة ومالكية ذاتية في مرتبة متقدمة على الفعل وضده ونقيضه من دون إيجاب وإلزام عليه تعالى. فله سبحانه أن يفعل ويترك، وأن يبقي ويفني، وأن يبدله بمثله، أو يغير بعض أجزاء النظام الموجود ويأتي بأجزاء نظام آخر. وبالجملة هو سبحانه بمالكيته الذاتية بجميع النظامات الحسنى الغير المتناهية التي يكشف عنها علمه، له أن يأتي بواحد منها ثم يبدله بالنظام الآخر.
فليعلم أنا قد ذكرنا غير مرة أن نسبة الأفعال والأوصاف والنعوت إلى الله سبحانه وإلى ما سواه على سبيل الاشتراك اللفظي. فالمنسوب إليه تعالى منها مبائن مع المنسوب إلى ما سواه بالبينونة الصفتية الذاتية. فعلى هذا يجب التحفظ على ذلك في البدء والبدع والبدو أيضا. وما نسب من ذلك إلى الله سبحانه يكون له معنى غير ما نسب إلى ما سواه. والمرجح في تشخيص معنى ما نسب إليه سبحانه، هو ما ورد عن الرسول وآله الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
روى الصدوق مسندا عن الحسن بن محمد النوفلي، يقول: قدم سليمان المروزي متكلم خراسان على المأمون.... فقال له المأمون: يا عمران، هذا سليمان المروزي متكلم خراسان. قال عمران: يا أمير المؤمنين، إنه يزعم واحد خراسان في النظر وينكر البداء. قال: فلم لا تناظروه؟ قال: ذلك إليه. فدخلت الرضا عليه السلام فقال: في أي شئ كنتم؟ قال عمران: يا بن رسول الله، هذا سليمان المروزي. فقال له