جعلني نبيا * وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا * و.... (1) فسبحانه من إله ما أبهر برهانه في تعريف أنبيائه ورسله لعباده! فهذه البينات الواضحة برهان صدق على دعوة النبوة والرسالة، يراها الناس ويشاهدونها بالحس والعيان من غير احتياج إلى البرهان المصطلح. وما أحسن تعبيره تعالى وتصريحه عن هذه المعجزات ب " البينات " و " آيات بينات "! قال تعالى:
ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات. (2) وآتينا عيسى ابن مريم البينات. (3) وأما استفادة الأمم مقاصد أنبيائهم عند التخاطب في مرحلة التعليم والبلاغ، أمر بين فطري - وهو عين ما هو دائر بين العقلاء في حوائجهم وشؤون حياتهم - سواء كان في عصر حضورهم أو بعد وفاتهم، من محكمات كتبهم وقطعيات سننهم.
والفرق بين القطع الحاصل بالبرهان وروح القدس هو: إن روح القدس حقيقة نورية وذاته الكاشفية والعيان، بخلاف القطع المنطقي، فإنه ليس له كشف عن ذاته، فضلا عن المعلوم به، لاستحالة نيل القاطع الإصابة وعدمها، وخروج الإصابة من اختياره أحيانا. مع أنه قد يكون في المسألة الواحدة أقوال مختلفة. ومن الممكن أيضا أن يكون الواقع غير هذه الأقوال جميعا. وأقصى ما يمكن أن يقال في حجية القطع المنطقي، هو وجوب الجري على طبقه أصاب أو أخطأ، لا كاشفيته للواقع.
فاتضح أن ثبوت نبوة النبي عند نفسه، بعين إفاضته تعالى روح القدس عليه.
وثبوتها عند الأمم المبعوث إليهم بالمعجزات البينات. ونيل دعوتهم في مقام البلاغ والتعليم من حيث حكاية الألفاظ والكلمات عن معانيها، بعين ما هو دائر بين عقلاء