أقول: ليس الغرض من ابتلائهم بالتكليف معرفة المطيع والعاصي بالتجربة و استظهار ما في سرائرهم وبواطنهم من ناحية التكليف، بل الظاهر أن المراد هو أن يبتليهم تعالى حتى يصبروا فيما يبتليهم فيكون ما يجزيهم على سبيل الاستحقاق وبعبارة أخرى: ليس غرضه تعالى من الامتحان الاستطلاع على سرائر عباده واستكشاف ما في بواطنهم، لاستحالة ذلك في حقه تعالى، فإنه لا يخفى عليه نجيات الصدور وسرائر القلوب - بل المراد منه هو الاهتمام الأكيد والعناية الخاصة منه جل ثناؤه من سنته الحكيمة الحميدة في تربية أوليائه وتكميل أحبائه.
روى الصدوق مسندا عن المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام قال:
الابتلاء على ضربين: أحدهما يستحيل على الله تعالى ذكره، والآخر جائز. فأما ما يستحيل، فهو أن يختبره ليعلم ما تكشف الأيام عنه. وهذا ما لا يصح له. لأنه عز وجل علام الغيوب. والضرب الآخر من الابتلاء أن يبتليه حتى يصبر فيما يبتليه به، فيكون ما يعطيه من العطاء على سبيل الاستحقاق، ولينظر إليه الناظر فيقتدي به... (1) وروى أيضا مسندا عن أبي علي القصاب قال:
" كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فقلت: الحمد لله منتهى علمه.
فقال: لا تقل ذلك. فإنه ليس لعلمه منتهى ". (2) فالمتحصل من هذه الروايات إثبات العلم له تعالى على الإطلاق، ثم تنزيه الذات عن الجهل وعن اختصاص العلم بشئ دون شئ آخر.
وروى أيضا مسندا عن منصور الصيقل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: