والأخفش وأبا مالك عن هذا الحرف فقالوا جميعا: ما ندري ما هو، وقال الأخفش: أنا منذ خلقت أسأل عن هذا.
قال ابن بري: هذا تصحيف، والصواب ما أغفله عنك بالفاء والغين، وهكذا رواه سيبويه، وهكذا صرح به أيضا أبو محمد إسماعيل بن محمد بن عبدوس النيسابوري أنه تصحيف، والمسموع بالغين والفاء، كذا بخط أبي سهل الهروي وأبي زكريا.
وقول الشعبي: (1) لا تعقل العاقلة، العمد ولا العبد، ورواه غيره: لا تعقل العاقلة، عمدا، ولا صلحا، ولا اعترافا، ولا عبدا، أي أن كل جناية عمد فإنها في مال الجاني خاصة ولا يلزم العاقلة منها شيء، وكذلك ما اصطلحوا عليه من الجنايات في الخطأ، وكذلك إذا اعترف الجاني بالجناية من غير بينة تقوم عليه، وإن ادعى أنها خطأ لا يقبل منه، ولا يلزم بها العاقلة وليس بحديث كما توهمه الجوهري.
قلت: هذا الحديث أخرجه الإمام محمد في موطئه بإسناده عن ابن عباس، ومتنه: " لا تعقل العاقلة عمدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما جنى المملوك " وكذلك ابن الأثير في النهاية فإنه سماه حديثا، وإذا ثبت الحديث عن ابن عباس، ولو موقوفا، سيما إذا كان في حكم المرفوع، فقوله: ليس بحديث إلخ، مردود عليه، وكأنه نظر إلى الصاغاني.
قال في العباب: وفي حديث الشعبي: لا تعقل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا. فقلده في قوله ذلك، وذهل عن أنه مروي من طريق ابن عباس، وقد أشار إلى ذلك المنلا علي في رسالة ألفها في ذلك، سماها: تشييع فقهاء الحنفية لتشنيع سفهاء الشافعية ونقله شيخنا، معناه: أن يجني الحر، الأولى حر، على عبد، خطأ، فليس على عاقلة الجاني شيء إنما جنايته في ماله خاصة، وهو قول ابن أبي ليلى، وصوبه الأصمعي، وإليه ذهب الإمام الشافعي، قال ابن الأثير: وهو موافق لكلام العرب، لا أن يجني العبد على حر، كما توهم أبو حنيفة، أي في تفسير قول الشعبي السابق: لا تعقل العاقلة العمد ولا العبد.
قال ابن الأثير: وأما العبد فهو أن يجني على حر فليس على عاقلة مولاه شيء من جناية عبده، وإنما جنايته على رقبته، قال: وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى، هذا نص ابن الأثير، وقد قدمه على القول الثاني، وفيه تأدب مع الإمام صاحب القول.
وأما قول المصنف: كما توهم إلى آخره، ففيه إساءة أدب مع الإمام رضي الله تعالى عنه لا تخفى، كما نبه أكمل الدين في شرح الهداية، وغيره ممن اعتنى من فقهاء الحنفية، ثم قال: لأنه لو كان المعنى على ما توهم، ونص النهاية: إذ لو كان المعنى على الأول، أي على القول الأول، وهو قول أبي حنيفة، ولم يقل: على ما توهم، لأن فيه إساءة أدب، ونص الأصمعي: لو كان المعني ما قال أبو حنيفة لكان الكلام: لا تعقل العاقلة عن عبد، ولم يكن ولا تعقل العاقلة عبدا، هكذا في النسخ، ولا تعقل بزيادة الواو، وهي مستدركة.
وقال الأصمعي: كلمت في ذلك أبا يوسف القاضي (2) بحضرة الرشيد الخليفة فلم يفرق بين عقلته وعقلت عنه (3) حتى فهمته، هكذا نقله ابن الأثير في النهاية، والصاغاني في العباب، وابن القطاع في تهذيبه، وقلدهم المصنف فيما أورده هكذا خلفا عن سلف، وقد أجاب عنه أكمل الدين في شرح الهداية، فقال: يستعمل عقلته بمعنى عقلت عنه، وسياق الحديث، وهو قوله: لا تعقل العاقلة، وسياقه، وهو قوله: ولا صلحا ولا اعترافا، يدلان على ذلك، لأن المعنى عمن تعمد وعمن صالح وعمن اعترف، انتهى.
قال شيخنا: ولو صح عن أبي يوسف أنه فهم عن الأصمعي خلاف ما قاله أبو حنيفة لرجع إليه، وعول عليه، لأنه وإن كان مفصلا لما أجمل من قواعد أبي حنيفة فإنه في حيز أرباب الاجتهاد، وهو أتقى لله من ارتكاب خلاف ما ثبت عنده أنه صواب، وكون هذه اللغة مما خفي عن الأصمعي والشافعي لغرابتها، لا ينافي أنها واردة في بعض اللغات الفصيحة الواردة عن بعض العرب، وكلام