فوقفوا يراعون الراية ليس منهم أحد يزول عن موضعه، والفرس في خلاف ذلك يضحكون ويعطعطون وينعرون، والمسلمون سكوت لا ينطقون لكنهم قد علقوا المخالي على الخيل وهم يراعون الراية، حتى إذا زالت الشمس وحان وقت الصلاة هز النعمان رايته هزة، ونظر المسلمون إلى ذلك فبادروا إلى المخالي فأخذوها عن رؤوس الدواب، وجعل الرجل بعد الرجل يرمي بنفسه عن فرسه فيصلي ركعتين يبادر بهما ثم يستوي على فرسه، قال: ثم إن النعمان هز رايته ثانية، فشد المسلمون عمائمهم على بطونهم وقرطوا أعنة الخيل وشدوا الحزم واستوثقوا من الأثفار والألباب وتهيأوا إلى الحملة، وجعل الرجل يوصي الرجل الذي إلى جنبه ويقول: يا هذا! إن منزلي بالبصرة أو بالكوفة في موضع كذا وكذا فانظر إن أصبت أنا وسلمت أنت فصر إلى منزلي فخبرهم بمصرعي، قال: وكان الكوفي يوصي الكوفي والبصري يوصي البصري، قال: وبكى الناس بعضهم بعضا مخافة أن تكون الغلبة للفرس على المسلمين، قال: وهز النعمان رايته ثالثة، فوضع كل واحد رمحه بين أذني فرسه وجعل يقول للذي إلى جنبه: أوسع لي فإني أريد أن أحمل، قال: ثم صوب النعمان رايته كأنها جناح طائر أبيض وكبر المسلمون وغشيهم التكبير من الهوى، فجعلت أقدام الفرس تخفق من ركبهم حتى أن الرجل منهم ليضع النشابة في كبد القوس فترعد كفاه حتى تسقط النشابة من يده.
قال: ثم حمل النعمان وحمل الناس معه فاختلطوا واقتتلوا، وذهب النعمان ليحمل على رجل من الأعاجم، فحمل عليه رجل منهم فطعنه طعنة في خاصرته، فسقط النعمان قتيلا (1) - رحمة الله عليه. قال: وجالت الخيل ونظر رجل من المسلمين إلى النعمان قتيلا إلى عمامة كانت على رأسه فأخذها فضرب بها على وجه النعمان لكيلا ينظر المسلمون إلى وجه النعمان فيفشلوا عن القتال.
قال: وتقدم معقل (2) أخو النعمان فرفع الراية للمسلمين ثم حمل، فلم يزل