فأميركم بعدي حذيفة بن اليمان، فإن أصيب فجرير بن عبد الله البجلي، فإن أصيب فالاشعث بن قيس الكندي، فإن أصيب فالمغيرة بن شعبة الثقفي (1)، ثم رفع النعمان رأسه إلى السماء فقال: اللهم انصر ابن مقرن وارزقه الشهادة! إنك على كل شيء قدير.
قال: فناداه رجل من أصحابه فقال: أيها الأمير! إنك قد أمرتنا بأمر ونحن قابلوه منك، ولكن متى تأمرنا بالحملة على هؤلاء القوم في أول النهار في آخره؟
فقال: لا بل في آخره إذا زالت الشمس عن كبد السماء وهبت الرياح وحضرت مواقيت الصلاة (2)، وعسى أن يوافق دعاؤنا دعاء أهل المدينة، فعند ذلك نرجو النصر من السماء، ولا سيما هذا يوم الجمعة وهو يوم يستجاب فيه الدعاء.
قال: فبينا النعمان بن مقرن يكلم أصحابه بهذا الكلام ويوصيهم إذا هو بعساكر الفرس قد أقبلت يتلو بعضها بعضا على البراذين البخارية وقد زينت بالسروج المدبجة والمراشح (3) المشعرة، والفرس في أيديها الرايات المعلمة والأعمدة المذهبة والطبرزينات المحزقة وعليهم أقبية الحرير وصدر الديباج، والفيلة عن أيمانهم وشمائلهم قد شهروها بأنواع الزينة، قال: فنظر المسلمون إلى جمع عظيم وعدة قوية فكأنهم جزعوا لذلك وخافوا أن يفشلوا، قال: فصاح رجل: يا أهل الاسلام!
ألا ما أشبه هذا اليوم إلا يوم الجسر الذي قتل فيه أبو عبيدة بن مسعود الثقفي وأصحابه، قال: ثم استعبر باكيا، قال فقال عبد الله بن... (4) لقد أذكرتني يوم الجسر فأين أنت عن قول أبي محجن الثقفي.
قال: فصاح عمرو بن معد يكرب من القلب وقال: يا معشر المسلمين! ذرونا من مناشدة الاشعار وارغبوا في مجاورة الملك الجبار وعليكم بالنظر إلى راية أميركم،