على الموت، فتناسوا الأولاد والأزواج، ولا تجزعوا من القتل فإنه موت الكرام ومنايا الشهداء. قال: ثم نزل عمرو عن فرسه ونزل معه أبطال بني عمه، قال: والأعاجم في الآلة والأسلحة وبين أيديهم ثلاثون فيلا، على كل فيل منهم جماعة من أساورة الفرس، قال: ونظر عامة المسلمين إلى عمرو بن معد يكرب وأصحابه وقد ترجلوا فنزل الناس وترجلوا ثم تقدموا نحو الخيل والفيلة، فلم يكن إلا ساعة من أول النهار حتى إحمرت الأرض من دماء الفرس وقتلت الفيلة بأجمعها فما أفلت منها واحد.
قال: فتراجعت الفرس إلى ورائها، وإذا بفيلة أخرى من الفرس قد أقبلت في قريب من عشرة آلاف بمطاردها وأعلامها، وبين أيديهم رجل من قواد كسرى يقال له لرداود بن ادركرد وكان من أهل قاشان، قال فتقدم على فيل له مزين وعلى رأسه تاج له يلمع بالجوهر، وعن يمينه خمسة فيلة وعن يساره كذلك، على كل فيل منها جماعة من أساورة الفرس. قال: ونظر إليهم قيس بن هبيرة المرادي فلم يكذب أن حمل على ذلك الفيل المزين، فضرب خرطومه ضربة وقطعه، ثم تأخر عنه وطعنه في عينه طعنة، فإذا الفيل تقهقر إلى ورائه حتى أنه مر بساقية فيها ماء فعثر بها وسقط عنه لرداد بن ادركرد.
قال: ثم تقدم رجل من شجعان الفرس يقال له مهر بنداد بن رادان بود في قريب من ألف فارس ومهر بنداد يومئذ على فيل مزين وعلى رأسه تاج من الذهب مرصع بالجوهر، وفي يده طبرزين محزق بالذهب والفيلة عن يمنه وشماله، فلما وقف مهر بنداد بين الجمعين في هذا الجيش ضج المسلمون من كل ناحية وجعل كل قوم يحبون المبارزة والخروج إلى الحرب، قال: فتقدم عروة بن زيد الخيل الطائي فقال: يا معشر المسلمين! إنه ليست منكم قبيلة بحمد الله إلا ولها في هذه الوقعة أثر محمود، وقد أحببت أن تجعلوا قتال هؤلاء القوم في هذا الوقت إلينا، فقال عمرو بن معد يكرب والمسلمون: فإنا قد أحببنا ذلك فأخرج عافاك الله وكلأك من ناره. قال:
فتقدم عروة بن زيد الخيل الطائي وتقدم معه نيف على ثلاثمائة رجل من بني عمه، حتى إذا دنا من الفرس حسر عن رأسه ثم كبر وحمل وحملت معه قبائل طيء على مهر بنداد وأصحابه، فكان مهر بنداد أول من قتل، ووضع المسلمون السيف في أصحابه وكانوا ألف فارس، فأفلت منهم خمسون رجلا أو أقل من ذلك، قال: ووقع المسلمون في السلب فأخذوا متاعا كثيرا من دروع وجواشن وبيض ورماح وحجف