ويحك! أويس القرني له شأن عظيم، وهو سيد التابعين! وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لأصحابه: (يكون في أمتي رجل يقال له أويس القرني، يدخل في شفاعته عدد ربيعة ومضر، لو أقسم على الله لأبر قسمه، فمن لقيه من بعدي فليقرئه مني السلام)، قال فقال له علي: يا رسول الله! وفينا من يلقاه؟ فقال: (نعم يا علي أنت تلقاه، فإذا لقيته فأقرئه مني السلام واسأله أن يدعو لك بالخير)! فقال علي: يا رسول الله! وما علامته؟ فقال: (هو رجل أصهب أشهل، ذو طمرين أبيضين، إذا غاب لم يفتقد، وإذا طلع لم يفرح بطلعته، وإذا سلم لم يرد عليه).
قال ابن عباس: فلم يزل بعد ذلك يحب أن نرى من يخبرنا عنه حتى كان زمن عمر بن الخطاب، فقدم عليه أهل الكوفة فقال لهم عمر: يا أهل الكوفة! هل تعرفون عندكم رجلا من اليمن يقال له أويس القرني؟ فقال رجل: نعم يا أمير المؤمنين! عندنا رجل من قرن يقال له أويس، غير أنه نسخر منه وأهل الكوفة يهزؤون به، قال: فتنفس عمر صعداء وقال: ويحك! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أنه يقدم إلى الكوفة رجل من اليمن يقال له أويس القرني، وليس له بها إلا أم، وقد كان به بياض من برص، فدعا الله أن يذهبه عنه، فأذهبه إلا مثل مقدار الدينار والدرهم، لو أقسم على الله عز وجل لأبر قسمه (1)، يدخل في شفاعته يوم القيامة عدد ربيعة ومضر، قال: فشهق شهقة ثم قال: واشوقاه إلى النظر إليه.
قال: فسكت الكوفيون وأخفوا ذلك في أنفسهم حتى رجعوا إلى الكوفة ثم نظروا إلى أويس القرني بغير العين التي كانوا ينظرون إليه بها، ثم إنهم كانوا يذهبون إليه ويسألونه أن يستغفر لهم، فقال لهم أويس: يا أهل الكوفة! إنكم قد كنتم فيما مضى تسخرون مني وتهزؤون بي فما الذي بدا لكم حتى أنكم تسألوني الاستغفار لكم؟ فقالوا له: إن عمر بن الخطاب أخبرنا عنك بكذا وكذا، قال: واستغفر أويس لبعضهم، ثم إنه غاب فلم ير بالكوفة بعد ذلك.
قال: وجعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأل عنه الرفاق عشر سنين فلم يسمع له خبرا، فلم يزل كذلك حتى كان آخر حجة حجها عمر، فسأل عنه كما كان