شهق شهقة كادت روحه أن تخرج، ثم أقبل علي فقال: يا هرم! مات محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم فمن يطمع في البقاء؟ يا هرم! مات فلان ومات فلان ونحن في ديوان الموتى، يا هرم! فعليك بذكر الموت، وإياك أن تفارق سنة الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فتفارق دينك وأنت لا تشعر فتدخل النار! قال: ثم رفع ويس طرفه نحو السماء فقال: اللهم! إن هذا يزعم أنه يحبني فيك وقد زارني من أجلك، فاجمعني وإياه غدا في دارك دار السلام، وأرضه، من هذه الدنيا باليسير، واجعله لأنعمك من الشاكرين. ثم قال: استودعك الله يا هرم وأقرأ عليك السلام، انظر! لا تطلبني بعد هذا اليوم، ولا تسأل عني، ولكن اذكرني بقلبك وادع لي، فإني أذكرك بقلبي وأدعو لك إن شاء الله تعالى، خذ أنت ههنا وآخذ أنا ههنا.
قال هرم: فطلبت أن يدعني أن أمشي معه ساعة فأبى، ففارقته وأنا أبكي، وجعلت أنظر في قفاه حتى دخل بعض (1) أزقة الكوفة. قال: ثم إني طلبته بعد ذلك وسألته عن ذلك فما أعطاني أحد خبره، قال هرم: ولا أعلم أنه أتت علي جمعة إلا وأنا أراه في منامي مرة أو مرتين، حتى إذا تحرك علي رضي الله عنه بالكوفة وعزم على المسير إلى معاوية أقبل إليه أويس القرني، فسلم عليه وخرج معه [إلى] صفين، فقتل هنالك في رجالة علي بن أبي طالب رضي الله عنه.