صدورهم ويضمرونها في أنفسهم. ثم قال: أيها الناس! وكيف يبايع معاوية عليا وقد قتل أخاه وخاله وجده وعم أمه في يوم بدر، والله! ما أظن أنهم يبايعون عليا أبدا وتقطع هاماتهم بالسيوف وتكسى حواجبهم بعمد الحديد.
قال: فعندها خرج حجر بن عدي وعمرو بن الحمق الخزاعي، فجعلا يظهران البراءة من أهل الشام واللعنة لهم، فأرسل إليهما علي أن (كفا عما يبلغني عنكما) فأقبلا إلى علي وقالا: يا أمير المؤمنين! ألسنا على الحق؟ قال: بلى!
قالا: فلم تمنعنا عن شتمهم ولعنهم؟ فقال: لأني أكره لكم أن تكونوا لعانين شتامين، ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم كذا لكان ذلك أصوب في القول وأبلغ في الرأي، ولو قلتم: اللهم! احقن دماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم (1)، لكان ذلك أحب إلي لكم. فقالا: يا أمير المؤمنين! فإننا نقبل عظتك ونتأدب بأدبك.
قال: ثم أقبل عليه عمرو بن الحمق فقال: يا أمير المؤمنين! والله ما أحببتك وبايعتك على قرابة بيني وبينك، ولا لان عندك ما لا تعطينه ولا التماس سلطان يرفع ذكري! ولكني أحببتك بخصال خمس: لقدمك وسابقتك وقرابتك وشجاعتك وعلمك (2)، فلو أني كلفت ثقل الجبال الرواسي ونزوح البحار الطوامي في أمر أقوي به وليك وأوهن به عدوك لما رأيت أني أديت فيه بعض الذي يجب علي من حقك.
فقال علي رضي الله عنه: اللهم! نور قلبه بالتقى واهده إلى صراطك المستقيم، يا عمرو! لوددت أن في جندي مائة رجل مثلك! فقال حجر بن عدي: إذا والله يا أمير المؤمنين ما فينا إلا من هو ناصح لجندك ومن يريد أن يقتل بين يديك.
قال: ثم كتب علي إلى عماله يأمرهم بالمسير إليه، وأعلمهم أنه يريد أن يسير إلى الشام لمحاربة أهلها، فأقبل إليه عبد الله بن عباس من البصرة، ومخنف بن سليم من أصفهان، وسعيد بن وهب من همدان، فاجتمع إليه عماله من جميع البلاد التي كانت في يده، وآخر من قدم عليه من عماله الربيع بن خيثم، قدم من الري في