رأيت أن تستغفر لنا يرحمك الله فقد أخبرنا أنك سيد التابعين، وأنك تشفع يوم القيامة في عدد ربيعة ومضر، قال: فبكى أويس بكاء شديدا ثم قال: عسى أن يكون ذلك غيري، فقال علي رضي الله عنه: إننا قد تيقنا أنك أنت هو ونحن لا نشك في ذلك، فادع لنا يرحمك الله بدعوة وأنت محسن، فقال أويس: إني لا أدعو لرجل ولا لرجلين ولا ثلاث، وإنما دعائي في البر والبحر للمؤمنين والمؤمنات في ظلم الليل وضياء النهار، ولكن من أنتما يرحمكما الله؟ فإني قد أخبرتكما باسمي وشهرت لكما أمري، ولم أكن أحب أن يعلم بمكاني أحد من الناس، فقال علي:
أنا علي بن أبي طالب وهذا عمر بن الخطاب، قال: فوثب أويس فرحا مستبشرا فعانقهما وسلم عليهما ورحب بهما فقال: يا أبا الحسن! ومثلي يستغفر لأمثالكما!
فقال علي: نعم، إننا قد احتجنا إلى ذلك منك، فخصنا رحمك الله منك بدعوة حتى نؤمن على دعائك! قال: فرفع أويس رأسه وقال: اللهم! إن هذين يذكران أنهما يحباني فيك وقد زاراني من أجلك، فاغفر لهما وأدخلهما في شفاعة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم. فقال له عمر: الميعاد بيني وبينك غدا في هذا الموضع، فقال أويس:
وما تريد؟ فقال عمر: أحببت أن آتيك بكسوة وشئ من نفقة، فإني أراك رث الحال، فقال أويس: سبحان الله! ألا ترى علي طمرين جديدين جبة وكساء ونعلاي قد خصفتهما ومعي أربعة دراهم قد أخذتها من أجرتي ولي عند القوم حساب؟ فمتى آكل هذا؟ يا أبا الحسن ويا أبا حفص إن الدنيا غدارة، غرارة، زائلة، فانية، فمن أمسى وهمه فيها اليوم مد عنقه إلى غد، ومن مد عنقه إلى غد علق قلبه بالجمعة، ومن علق قلبه بالجمعة لم ييئس من الشهر، ويوشك أن يطلب السنة، وأجله أقرب إليه من أمله، ومن رفض هذه الدنيا أدرك ما يريد غدا من مجاورة الجبار، وجرت من تحت منازله الأنهار، وتدلت من فوقه الثمار، قال: ثم سلم عليهما ومضى يسوق الإبل بين يديه وعلي وعمر ينظران إليه حتى غاب فلم ير.
قال: وجعل بعد ذلك عمر يسأل عنه، فلم يخبره أحد أنه رآه إلا أن يكون الربيع بن خيثم، فإنه قال: أتيت موضعه فأصبته على شاطئ الفرات قائما يصلي فقلت في نفسي ينصرف من صلاته وأقوم إليه فأكلمه، فلما صلى بسط كفيه إلى الله فلم يقبضهما إلى وقت العصر، ثم قام فصلى وبسط يديه فلم يقبضهما إلى وقت العشاء الأولى، ثم قام فصلى وبسط يديه فلم يقبضهما إلى وقت العشاء الآخرة، ثم قام فصلى ووصلها، فلم يزل راكعا وساجدا حتى أصبح، فأذن وأقام وصلى