الصبح، ثم بسط يديه إلى الله عز وجل فلم يقبضهما إلى أن طلعت الشمس، ثم خفق برأسه خفقة ووثب إلى الماء، فتطهر وعزم على الصلاة، قال الربيع: فدنوت منه وقلت له: رحمك الله! لقد أتعبت نفسك، فقال: لأني أريد راحتها غدا، فقلت له: يا أخي! من أين لك المطعم؟ فقال: إن ربي عز وجل قد تكفل لي بذلك، وإني مني على بال، يا ربيع! فلا تعد إلى مثل هذا الكلام.
قال: ثم مر أويس فلم يره بعد ذلك إلا هرم بن حيان العبدي، فإنه قال:
كنت أسأل عن أويس القرني مدة من عمري، فلم يعطني أحد خبره، حتى دخلت إلى الكوفة فسألت عنه، فقيل لي: إن أكثر مأواه على شاطئ الفرات، فإذا أنا به يغسل ثوبه، قال: فعرفته بالصفة والنعت الذي نعت لي، فدنوت منه وسلمت عليه، فرد علي السلام، قال: وخنقتني العبرة لما رأيت من سوء حاله، فقلت:
حياك الله يا أويس! فقال: وأنت فحياك الله يا هرم بن حيان! ولكن من دلك على موضعي هذا؟ قال: فقلت (1): دلني عليك من عرفني اسمك، فقال أويس:
سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا. قال هرم: فقلت له: رحمك الله! من أين عرفت اسمي واسم أبي ولم أرك ولم ترني قبل اليوم؟ قال أويس: إذا أخبرك يا هرم! عرفت روحي روحك حين كلمت نفسي نفسك، وإن المؤمنين يتعارفون بنور الله عز وجل فإن لم يلتقوا وإن نأت بهم الدار. قال هرم فقلت: رحمك الله! حدثني حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحفظه عنك! فقال أويس: إني لم أر (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحدث عنه ولم تكن لي معه صحبة، ولكن قد رأيت من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد انتهى إلي من حديثه كبعض ما انتهى إليكم، ولست أحب أن أفتح هذا الباب على نفسي لاحد فأكون محدثا، ولي في نفسي شغل عن ذلك يا بن حيان، قال: فقلت له أتل علي شيئا من كتاب الله تعالى اسمعه منك، وادع لي بدعوة، وأوصني بوصية! فقال أويس: نعم، قال ربي وهو أفضل كل قائل وصدق وقوله أصدق الحديث: (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لعبين * وما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون * إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين * يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون * إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم *) (3) قال: ثم