ثم قام قيس بن سعد بن عبادة فقال: يا أمير المؤمنين! اكمش (1) بنا إلى الحرب عدونا ولا تعرج، فوالله! إن جهادهم لاحب إلينا من جهاد الروم والترك والديلم، لادهانهم (2) في دين الله واستذلالهم لأولياء الله، إذا غضبوا على رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حبسوه أو ضربوه أو حرموه أو سيروه (3)، وفيئنا لهم في أنفسهم حلال ونحن لهم كمين (4).
قال: فتكلمت الأشياخ من الأنصار (5) وقالوا: يا قيس! لم بدأت أشياخ قومك بالكلام؟ قال: فاستحيا قيس ثم قال: والله! إني لعارف بفضلكم معظم لأنسابكم، وإنكم لساداتي وعمومتي ولكني قد وجدت، الذي في صدري قد جاش، فلم أجد بدا من الكلام. قال: فأمسك عنه القوم وقام سهل بن حنيف الأنصاري فقال: يا أمير المؤمنين! نحن سلم لمن سالمت وحرب لمن حاربت، ورأينا رأيك، متى دعوتنا أجبناك ومتى أمرتنا أطعناك، وليس عليك منا خلاف - والسلام -.
قال: فوثب حنظلة بن الربيع التميمي (6) فقال: يا أمير المؤمنين! إننا قد مشينا إليك بنصيحة فاقبلها منا ولا تردها علينا، فإننا قد نظرنا لك ولمن معك من المسلمين، الرأي عندنا أنك تقيم ولا تعجل بالمسير إلى قتال أهل الشام، فإني والله لا أدري على من تكون الدائرة.
قال: فتكلم عبد الله بن المعتمر (7) فقال: إن الله تبارك وتعالى رب (8) العباد والبلاد يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، فأما الدائرة (9) فإنها على الظالمين العاصين القاسطين ظفروا أو لم يظفروا.