أبو بكر عبد الله بن أبي الدنيا القرشي مولى بني أمية، وهو عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس أبو بكر بن أبي الدنيا الحافظ المصنف في كل فن، المشهور بالتصانيف الكثيرة النافعة الشائعة الزائعة في الرقاق وعيرها، هي تزيد على مائة مصنف، وقيل إنها نحو الثلثمائة مصنف، وقيل أكثر وقيل أقل، سمع ابن أبي الدنيا إبراهيم بن المندر الخزامي، وخالد بن خراش وعلي بن الجعد وخلقا، وكان مؤدب المعتضد وعلي بن المعتضد الملقب بالمكتفي بالله، وكان له عليه كل يوم خمسة عشر دينارا، وكان صدوقا حافظا ذا مروءة، لكن قال فيه صالح بن محمد حزرة: إلا أنه كان يروي عن رجل يقال له: محمد بن إسحاق البلخي وكان هذا الرجل كذابا يضع لاعلام إسنادا، وللكلام إسنادا، ويروي أحاديث منكرة. ومن شعر ابن أبي الدنيا أنه جلس أصحاب له ينتظرونه ليخرج إليهم، فجاء المطر فحال بينه، فكتب إليهم رقعة فيها:
أنا مشتاق إلى رؤيتكم * يا أخلاي وسمعي والبصر كيف أنساكم وقلبي عندكم * حال فيما بينا هذا المطر توفي ببغداد في جمادى الأولى من هذه السنة عن سبعين سنة، وصلى عليه يوسف بن يعقوب القاضي ودفن بالشونيزية رحمه الله.
عبد الرحمن بن عمرو أبو زرعة البصري الدمشقي الحافظ الكبير المشهور بابن المواز الفقيه المالكي، له اختيارات في مذهب مالك، فمن ذلك وجوب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة.
ثم دخلت سنة ثنتين وثمانين ومائتين في خامس ربيع الأول منها يوم الثلاثاء دخل المعتضد بزوجته قطر الندى ابنة خمارويه، قدمت بغداد صحبة عمها وصحبة ابن الجصاص، وكان الخليفة غائبا وكان دخولها إليه يوما مشهودا، امتنع الناس من المرور في الطرقات من كثرة الخلق. وفيها نهى المعتضد الناس أن يعملوا في يوم النيروز ما كانوا يتعاطونه من إيقاد النيران وصب الماء وغير ذلك من الافعال المشابهة لافعال المجوس، ومنع من حمل هدايا الفلاحين إلى المنقطعين في هذا اليوم وأمر بتأخير ذلك إلى الحادي عشر من حزيران وسمي النيروز المعتضدي، وكتب بذلك إلى الآفاق. وفيها في ذلك الحجة (1) قدم إبراهيم بن أحمد الماذرائي من دمشق على البريد فأخبر الخليفة بأن خمارويه وثبت عليه خدامه فذبحته على فراشه (2) وولوا بعده .