الملك من يده، فأرسل إليه سرية حافلة من الجنود فكسرهم الحسن بن عمر بن شاهين، وكاد أن يتلفهم بالكلية حتى أرسل إليه عضد الدولة فصالحه على مال يحمله إليه في كل سنة، وهذا من العجائب الغريبة. وفي صفر قبض على الشريف أبي أحمد الحسن بن موسى الموسوي نقيب الطالبيين، وقد كان أمير الحج مدة سنين، اتهم بأنه يفشي الاسرار وأن عز الدولة أودع عنده عقدا ثمينا، ووجدوا كتابا بخطه في إفشاء الاسرار فأنكر أنه خطه وكان مزورا عليه، واعترف بالعقد فأخذ منه وعزل عن النقابة وولوا غيره، وكان مظلوما. وفي هذا الشهر أيضا عزل عضد الدولة قاضي القضاة أبا محمد بن معروف وولى غيره (1) وفي شعبان منها ورد البريد من مصر إلى عضد الدولة بمراسلات كثيرة فرد الجواب بما مضمونه صدق النية وحسن الطوية، ثم سأل عضد الدولة من الطائع أن يجدد عليه الخلع والجواهر، وأن يزيد في إنشائه تاج الدولة، فأجابه إلى ذلك، وخلع عليه من أنواع الملابس ما لم يتمكن معه من تقبيل الأرض بين يدي الخليفة، وفوض إليه ما وراء بابه من الأمور ومصالح المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وحضر ذلك أعيان الناس، وكان يوما مشهودا.
وأرسل في رمضان إلى الاعراب من بني شيبان وغيرهم فعقرهم وكسرهم، وكان أميرهم منبه بن محمد الأسدي متحصنا بعين التمر مدة نيف وثلاثين سنة. فأخذ ديارهم وأموالهم.
وفي يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذي القعدة تزوج الطائع لله بنت عضد الدولة الكبرى، وعقد العقد بحضرة الأعيان على صداق مبلغه مائة ألف دينار، وكان وكيل عضد الدولة الشيخ أبا الحسين بن أحمد الفارسي النحوي، صاحب الايضاح والتكملة، وكان الذي خطب خط القاضي أبو علي الحسن بن علي التنوخي. قال ابن الأثير: وفيها جدد عضد الدولة عم ومحاسنها، وجدد المساجد والمشاهد، وأجرى على الفقهاء الأرزاق، على الأئمة من الفقهاء والمحدثين والأطباء والحساب وغيرهم، وأطلق الصلات لأرباب البيوتات والشرف، وألزم أصحاب الأملاك بعمارة بيوتهم ودورهم، ومهد الطرقات وأطلق المكوس وأصلح الطريق للحجاج من بغداد إلى مكة، وأرسل الصدقات للمجاورين بالحرمين. قال: وأذن لوزيره نصر بن هارون - وكان نصرانيا - بعمارة البيع والأديرة وأطلق الأموال لفقرائهم.
وفيها توفي حسنويه بن حسين الكردي، وكان قد استحوذ على نواحي البلاد الدينور وهمدان ونهاوند مدة خمسين سنة، وكان حسن السيرة كثير الصدقة بالحرمين وغيرهما، فلما توفي اختلف أولاده (2) من بعده وتمزق شملهم، وتمكن عضد الدولة من أكثر بلادهم، وقويت شوكته في ذلك الأرض.
.