ليس شرب الراح (1) إلا في المطر * وغناء من جوار في السحر غانيات سالبات للنهي * ناعمات (2) في تضاعيف الوتر راقصات زاهرات نجل * رافلات في أفانين الحبر مطربات غنجات لحن رافضات الهم أمال الفكر مبرزات الكاس من مطلعها مسقيات الخمر (3) من فاق البشر عضد الدولة وابن ركنها * مالك الأملاك غلاب القدر (4) سهل الله إليه نصره * في ملوك الأرض ما دام القمر (5) وأراه الخير في أولاده * ولباس الملك فيهم بالغرر قبحه الله وقبح شعره وقبح أولاده، فإنه قد اجترأ في أبياته هذه فلم يفلح بعدها، فيقال: إنه حين أنشد قوله غلاب القدر، أخذه الله فأهلكه، ويقال: إن هذه الأبيات إنما أنشدت بين يديه ثم هلك عقيبها. مات في شوال من هذه السنة عن سبع أو ثمان وأربعين سنة، وحمل إلى مشهد علي فدفن فيه، وكان فيه رفض وتشيع، وقد كتب على قبره في تربته عند مشهد علي: هذا قبر عضد الدولة، وتاج المملكة، أبي شجاع بن ركن الدولة، أحب مجاورة هذا الامام المتقي لطمعه في الخلاص (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها) [النحل: 111] والحمد لله وصلواته على محمد وعترته الطاهرة. وقد تمثل عند موته بهذه الأبيات وهي للقاسم بن عبيد الله:
قتلت صناديد الرجال فلم أدع * عدوا ولم أمهل على ظنه خلقا وأخليت در الملك من كان باذلا * فشردتهم غربا وشردتهم شرقا فلما بلغت النجم عزا ورفعة * وصارت رقاب الخلق أجمع لي رقا رماني الردى سهما فأخمد جمرتي * فها أنا ذا في حفرتي عاطلا ملقى فأذهبت دنياي وديني سفا * فمن ذا الذي مني بمصرعه أشقى؟
ثم جعل يكرر هذه الأبيات وهذه الآية (ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه) [الحاقة 28 - 29] إلى أن مات. وأجلس ابنه صمصامه على الأرض وعليه ثياب السواد، وجاءه الخليفة معزيا وناح النساء عليه في الأسواق حاسرات عن وجوههن أياما كثيرة، ولما انقضى العزاء ركب ابنه .