فمنها: ما رواه الشيخ بإسناده، عن الحسن بن محمد بن سماعة (وقد أشرنا آنفا إلى جودة طريق الشيخ إليه، وذكرنا حسن ثنائه عليه) عن محمد بن أبي حمزة، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أتى جبرئيل عليه السلام رسول صلى الله عليه وآله وسلم بمواقيت الصلاة، فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلى الظهر، ثم أتاه حين زاد الظل قامة فأمره فصلى العصر، ثم أتاه حين غربت الشمس فصلى المغرب، ثم أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلى العشاء، ثم أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلى الصبح، ثم أتاه من الغد حين زاد في الظل قامة فأمره فصلى الظهر، ثم أتاه حين زاد في الظل قامتان فأمره فصلى العصر، ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب، ثم أتاه حين ذهب ثلث الليل فأمره فصلى العشاء، ثم أتاه حين نور الصبح فأمره فصلى الصبح، ثم قال: ما بينهما وقت (1).
وروى مضمون هذه الرواية من طريقين آخرين (2) إلا أن في أحدهما أبدلت القامة والقامتان بذراع وذراعين، وفي الاخر بقدمين وأربعة أقدام، وقد مر أن القامة تستعمل بمعنى الذراع وهو قدمان، فلا يكون بين الروايات اختلاف، والتوقيت المذكور فيها ليس للفضيلة والاجزاء كما هو الشايع في إطلاق الوقتين، والمفهوم من الاخبار المتضمنة أن لكل صلاة وقتين، أولهما أفضلهما وإنما هو لأول الفضيلة وآخرها، إذ لا ريب في امتداد بعض هذه المواقيت بالنظر إلى الاجزاء زيادة على القدر المذكور فيها، فلا مجال لتنزيلها على وقتي الفضيلة والاجزاء.
فان قلت: الحمل على إرادة الفضيلة فقط ينافي ما مر من ترجيح كون وقت الفضيلة للظهر بعد الذراع وللعصر بعد الذراعين.
قلت: المفهوم من ظاهر هذه الروايات أنها حكاية لصورة الواقع في مبدأ التوقيت، وما تفيده الاخبار السالفة من أفضلية التأخير إلى الذراع والذراعين يقتضي تغير الحكم في الظهرين فيكون منسوخا فيهما ويبقى