وجه المجون والخلاعة.
ألا ترى أن إنسانا لو قال لهذا السائل (عن) (1) العجوز الخارجة من الدار: إن هذه العجوز قد غلطت أو كذبت، وإنما ظنوا أن الرجل قد مات فاحضروا الجنازة والمغتسل، ثم تبينوه حيا، أو قال هو ميؤوس منه، ولم يمت، لشك السائل في خبرها، ولو كان الأول يقينا وعلما ضروريا لما جاز أن يتعقبه بضده، ولما جاز أن يوجد (2) أمره على خلاف ما اعتقده.
فإن قال: لم كانت الجماعة إذا أخبرت بشئ شاهدته وعلمته ضرورة إنما يقع العلم لسامعه عند قول الواحد دون جماعتهم، فما أنكرت أن يكون ذلك الواحد منهم متى أخبر أوجب العلم بقوله.
قيل له: إن الجماعة إذا أخبرت فليست تخلو من أن يقع للسامع بقولها علم الاضطرار بصحة مخبرها، أو علم اكتساب، فإن أوجب خبرها علما مكتسبا فليس هذا العلم جاريا بقول الواحد منهم دون الجماعة.
وقول القائل في هذا القسم: إن العلم حادث من قول الواحد خطأ، لأن السامع إنما استدل بخبر الجماعة على صحة الخبر، فاستحال أن يكون العلم جاريا بقول الواحد، وأن خبر الواحد أوجب علم الاضطرار، فإن كانوا يخبرون بذلك مجتمعين وكانوا ممن لا يجوز عليهم التواطؤ، فالعلم حادث أيضا عند قول جماعتهم، دون الواحد منهم، إذا كانوا قد علموا ما أخبروا به ضرورة، وإن كانوا أخبروا به متفرقين، فإن أحدث الله به العلم عند قول أحدهم، فغير جائز أن يقال على هذا: جوزوا إحداث الله له العلم بقول الواحد، إذا انفرد بخبره دون الجماعة التي تقدمته في الأخبار عنه، من قبل أن الله تعالى إنما أجرى العادة بإحداث العلم عند خبر هذا الواحد إذا تقدمته جماعة تخبر بمثل خبره، ولم تجر العادة باحداث العلم بقول الواحد.
ألا ترى أن مثل هذه الجماعة متى وجدت على هذا الوصف أوجب خبرها العلم بصحة ما أخبرت به، وأن الواحد المنفرد لم تجر العادة بحدوث العلم بخبره.
وأيضا: فإن خبر الواحد (لو) (3) كان يوجب علم الضرورة عند مقارنة الأسباب، لجاز أن تخبر الجماعة العظيمة بخبر، فلا يقع العلم بخبرهم، إذا لم يقارن خبرهم أسباب