وأيضا: فكما أن ظاهر من روى عمن لقيه: السماع منه، فكذا ظاهر من حمله عنه أهل العلم: أنه عدل، مقبول الرواية، حتى يثبت غيره.
وأما قوله: إن الصحابي إنما يروى عن صحابي مثله، وكلهم مقبول الرواية، فإنه ليس كذلك، لأنه قد كان في عصر النبي عليه السلام من حكم الله بفسقه، بقوله تعالى:
(إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) (1) وهو: الوليد بن عقبة، وقد كان قوم آخرون هناك قد رأوا النبي عليه السلام وعملوا بعده أعمالا أسقطت عدالتهم، وهذا ما لا خفاء به.
أيضا: فلو أن حاكما حكم بشهادة شاهدين وأسند (2) بهما ولم يسمهما - لم يجز لأحد الاعتراض على حكمه، لأجل تركه تزكية الشهود، وكان أمرهم محمولا على الصحة والجواز. كذلك من روى عمن لم يسمه، يجب حمل أمره على الصحة والعدالة، حتى يثبت غيرهما.
فإن قيل: إن الجرح والتعديل طريقه الاجتهاد، ويجوز أن يعدل (3) الراوي عنه، ولا يكون عندي عدلا، فيحتاج أن يتبين حيث تثبت عدالته، كما أن شاهدين لو شهدا على شهادة شاهدين، ولم يسمياهما، فلم يجز للقاضي الحكم بشهادتهما، حتى يسمياهما فينظر القاضي في حالهما، كذلك المرسل.
قيل له: أما من شاهدناه وخبرنا أمره - فالواجب الرجوع في جرحه وتزكيته إلى معرفتنا به، أو مسألة من خالطه، وخبر أمره - عنه.
وأما من كان من أهل الأعصار المتقدمة فإنا لا نصل إلى معرفة عدالته وثقته إلا بنقل الأئمة عنه. فتكون روايتهم تعديلا منهم له، فلا يجوز لنا أن نتعقبهم في تعديلهم إياه بغيره.
وأما الشهادة على الشهادة: فليست من هذا في شئ، من قبل أنه: يقبل في رواية الأخبار ما لا يقبل في الشهادات.
ألا ترى: أنه يقبل منه فلان عن فلان، ولا يقبل في الشهادة إلا أن يقول: أشهدني على شهادته، فعلمت: أن روايات الأخبار غير معتبر بالشهادة على الشهادة، من الوجه الذي ذكرت.