وهذا الوجه لو تم في نفسه، فهو لا يدفع اشكال الاستهجان العرفي، لأنه ليس من الأمور الواضحة عرفا التي تصحح التعليل عرفا، بل هو من الأمور الخفية التي لا تخلو عن دقة، ويكون الوصول إليها بعد فحص وبحث. فلا حظ.
ثم إنه قد يثار حول التزام المحقق النائيني سؤال، وهو: انه إذا فرض ان المانع هو العلم بالنجاسة، فمع الشك يحرز عدم المانع، لعدم العلم مع الشك، فأي حاجة حينئذ للاستصحاب أو غيره في احراز الطهارة؟.
وقد دار - في القديم - حول هذا السؤال كلام مع بعض تلامذة المحقق النائيني فلم نجد عندهم ما يرفع الشبهة.
والذي ينبغي ان يقال في جوابه: ان المحقق النائيني بملاحظة بعض الأدلة الخاصة والجمع بينها وبين أدلة شرطية الطهارة أو مانعية النجاسة - الظاهرة بدوا في النجاسة الواقعية - التزم بان المانع هو العلم بالنجاسة، لكن ليس المأخوذ هو العلم بما هو صفة قائمة في النفس، ولا بما هو طريق إلى الواقع، بل بما هو منجز للواقع ومعذر عنه، وقد ذكر ان هذا القسم من اخذ العلم موضوعا فاتنا التنبيه عليه في مبحث القطع. وهو بهذه الملاحظة مما يصلح ان تقوم مقامه جميع الطرق والأصول المحرزة وغير المحرزة، لأنها جميعها تتكفل جهة التنجيز والتعذير. فأصالة الاحتياط في مواردها تقوم مقام العلم بهذه الملاحظة وإن لم تكن أصلا محرزا.
وبالجملة: ان المانع في الصلاة هو النجاسة المعلومة بما هو منجز بتعبير، والنجاسة المنجزة بتعبير آخر.
وعليه نقول: ان النجاسة المشكوكة غير المعلومة لا يمكن ان تنفى مانعيتها الا بواسطة قيام دليل أو أصل معذر ولو عقلا بحيث ينفي التنجيز.