تقدم (1): من أن حصص المعنى الواحد غير متناهية، فضلا عن المعاني الكثيرة، فلا يمكن تصور كل واحد منها على وجه التفصيل - كذلك لا يمكن أن يكون الموضوع لها عاما كالوضع، فإنه لا يعقل ذلك إلا أن توضع لمفاهيم الحصص والتضييقات، والمفروض أنها من المفاهيم الاسمية، وليست من المعاني الحرفية في شئ، ولا جامع مقولي بين أفراد التضييق وأنحائه لتوضع بإزائه، فلا بد - حينئذ - من أن نلتزم بكون الموضوع له فيها خاصا والوضع عاما، بأن نقول: إن كل واحد من هذه الحروف موضوع لسنخ خاص من التضييق في عالم المعنى، فكلمة " في " لسنخ من التضييق، وهو سنخ التضييق الأيني، وكلمة " على " لسنخ آخر منه، وهو سنخ التضييق الاستعلائي، وكلمة " من " لسنخ ثالث منه، وهو سنخ التضييق الابتدائي، وهكذا سائر هذه الحروف.
ومن هنا يظهر: أن الموضوع له في الهيئات الناقصة كهيئات المشتقات، وهيئة الإضافة والتوصيف أيضا من هذا القبيل، يعني: أن الوضع فيها عام والموضوع له خاص، لما عرفت من عدم الفرق بينها وبين هذا القسم من الحروف أصلا.
وأما القسم الثاني منها فأيضا كذلك، ضرورة أن الحروف في هذا القسم لم توضع لمفهوم التمني والترجي والتشبيه ونحوه، لأنها من المفاهيم الاسمية الاستقلالية على أن لازمه أن تكون كلمة " لعل " مرادفة للفظ " الترجي "، وكلمة ليت مرادفة للفظ " التمني "، وهكذا...، وهو باطل يقينا. كما أنها لم توضع بإزاء مفهوم إبراز هذه المعاني، فإنه أيضا من المفاهيم الاسمية، بل وضعت لما هو بالحمل الشائع إبرازا للتمني والترجي والاستفهام ونحو ذلك، ولا جامع ذاتي بين مصاديق الإبراز وأفراده ليكون موضوعا بإزاء ذلك الجامع، ولأجل ذلك في هذا القسم أيضا يكون الموضوع له خاصا والوضع عاما، بمعنى: أن الواضع تصور مفهوما