الوضع. ومن الواضح أن التعهد والالتزام لا يتعلقان إلا بالفعل الاختياري، إذ لا معنى للتعهد بالإضافة إلى أمر غير اختياري، وبما أن ثبوت النسبة أو نفيها في الواقع خارج عن الاختيار فلا يعقل تعلق الالتزام والتعهد به، فالذي يمكن أن يتعلق الالتزام به: هو إبراز قصد الحكاية في الإخبار، وإبراز أمر نفساني غير قصد الحكاية في الإنشاء، لأنهما أمران اختياريان داعيان إلى التكلم باللفظ في الجملة الخبرية والإنشائية.
إذا عرفت ذلك فنقول: على ضوء هذا البيان قد أصبحت النتيجة: أن الجملة الخبرية لم توضع للدلالة على ثبوت النسبة في الخارج أو نفيها عنه، بل وضعت لإبراز قصد الحكاية والإخبار عن الواقع ونفس الأمر.
وتوضيح ذلك على وجه أبسط: هو أن الإنسان لما كان محتاجا في تنظيم حياته المادية والمعنوية إلى آلات بها يبرز مقاصده وأغراضه - والإشارة ونحوها لا تفي بجميع موارد الحاجة في المحسوسات فضلا عن المعقولات - فلا مناص من التعهد والمواضعة بجعل ألفاظ خاصة مبرزة لها في موارد الحاجة، ودالة على أن الداعي إلى إيجاد تلك الألفاظ إرادة تفهيمها.
وعليه، فالجملة الخبرية - بمقتضى تعهد الواضع بأنه متى ما قصد الحكاية عن الثبوت أو النفي في الواقع أن يتكلم بها - تدل على أن الداعي إلى إيجادها ذلك، فتكون بنفسها مصداقا للحكاية، وهذه الدلالة لا تنفك عنها حتى فيما إذا لم يكن المتكلم في مقام التفهيم والإفادة في مقام الثبوت والواقع إذا لم ينصب قرينة على الخلاف في مقام الاثبات.
غاية ما في الباب: أن تكلمه - حينئذ - يكون على خلاف مقتضى تعهده والتزامه. وأما الدلالة فهي موجودة لا محالة، ويكون كلام المتكلم حجة عليه ببناء العقلاء من جهة التزامه وتعهده.
نعم، تنتفي هذه الدلالة فيما إذا نصب قرينة على الخلاف، كما إذا نصب قرينة