المعنى، لما عرفت من: أن معانيها تخطر في الذهن عند التكلم بها، سواء أكانت مفردة أم كانت في ضمن تركيب كلامي، ولكن لما لم تكن بينها رابطة ذاتية توجب ربط بعضها ببعض دعت الحاجة في مقام الإفادة والاستفادة إلى روابط تربط بعضها ببعضها الآخر، وليست تلك الروابط إلا الحروف وتوابعها، فإن شأنها إيجاد الربط بين مفهومين مستقلين.
ولذا قلنا: إن معانيها إيجادية محضة، نسبية كانت: كحرف " من وعلى وإلى " ونحوها، أو غير نسبية: كحرف النداء والتشبيه والتمني والترجي، فإنها في كلا القسمين موضوعة لإيجاد المعنى الربطي بين المفاهيم الاسمية في التراكيب الكلامية.
مثلا: كلمة " في " موضوعة لإيجاد معنى ربطي بين الظرف والمظروف.
وكلمة " على " موضوعة لإيجاد معنى ربطي بين المستعلي والمستعلي عليه. وكلمة " من " لإيجاده بين المبتدأ به والمبتدأ منه.
وبعبارة جامعة: أن كل واحد منها موضوع لإيجاد معنى ربطي خاص في تركيب مخصوص، ولا واقع له سواه، فلولا وضع الحروف لم توجد رابطة بين أجزاء الكلام أبدا، بداهة أنه لا رابطة بين مفهوم زيد ومفهوم الدار في أنفسهما، لأنهما مفهومان متباينان بالذات، فلا بد من رابط يربط أحدهما بالآخر، وليس ذلك إلا كلمة " في " - مثلا - التي هي الرابطة بينهما، كما أن كلمة " من " رابطة بين المبتدأ به والمبتدأ منه، وكلمة " على " رابطة بين المستعلي والمستعلي عليه، وهكذا...
وعلى الجملة: أن المعاني الحرفية بأجمعها معان إيجادية، وليس لها واقع في أي وعاء من الذهن والخارج وعالم الاعتبار، ما عدا التراكيب الكلامية، ونظيرها: صيغ العقود والإيقاعات بناء على ما ذهب إليه المشهور فيها من: أنها آلات وأسباب لإيجاد مسبباتها: كالملكية والزوجية والرقية ونحوها، ولكن