وأما القائلون بالأخص، فلا بد من اختيارهم الاشتغال، وذلك لأن مناط البراءة هو الشك في الثبوت، ومناط الاشتغال هو الشك في السقوط، ولا ريب أن الأخصي شاك في سقوط ما ثبت، بمعنى أن الأخصي إذا شك في وجوب شئ، يصير شاكا في أن ما بيده بدونه صلاة، أم لا، فلا بد من الإتيان بالمشكوك، لأنه كالمقدمة العلمية لما يثبت وجوبه.
والأعمي إذا شك فهو في مخلص منه، لأن ما بيده صلاة، وقد امر بها، والشك في السورة شك فيما ليس داخلا في المسمى. واحتمال دخالته الشرعية في سقوط الأمر المتوجه إلى المسمى، مدفوع بالبراءة العقلية، أو هي والعقلائية والشرعية.
فتوهم: أن ترك الجزء المشكوك غير جائز للأعمي أيضا، لأنه بتركه شاك في إتيان ما ثبت وجوبه، في غير محله، لأن منشأ الشك الثاني مرفوع بالأصل، فلا أثر له، بخلاف الأخصي، فإنه شاك في الإتيان بالصلاة المأمور بها.
وبعبارة أخرى: كل واحد منهم لا بد وأن يأتي بما إذا تحقق ينتزع منه عنوان " الصلاة " ويكون صلاة بالحمل الشائع، وهذا حاصل للأعمي، دون الأخصي.
نعم، هما مشتركان في عدم لزوم الإتيان بمصداق ينتزع منه " الصحة " عند الشرع، لأنها مع احتمال دخالة الجزء المشكوك غير ممكنة، وما تكفل نفيه هو الأصل العملي، دون الإطلاق اللفظي حتى يمكن، كما لا يخفى.
ومن هذا البيان يعلم، تعين الاحتياط على الأخصي، من غير فرق بين كون الجامع الذي يقول به، هو العنوان البسيط الخارج عن الأجزاء المعلول لها، أو كونه عنوانا بسيطا منتزعا منها، ومتحدا معها اتحاد المنتزع مع منشئه، أو كونه جامعا اعتباريا، ويعد حقيقيا في وعاء الاعتبار، فيكون هو بنفسه في الخارج كالطبيعي، أو غير ذلك مما يمكن توهمه وتخيله. نعم تعين الاشتغال على بعض الفروض،