قوافل الألفاظ وسلسلة المعاني، وتلك العلقة معلولة العلل المتعددة، فعليه لا تكون الجهة المبحوث عنها هنا ذلك.
فما هو الحري بأن يجعل عنوانا للبحث هو هكذا: " في تشخيص ما هو طرف تلك العلقة المفروغ عنها " فإن الأدلة المذكورة في المقام تمامها منسوجة لفهم ذلك، وأن اللفظ وجوده معلوم، ومعناه - وهو ما ينتقل منه إليه بدون الواسطة الأخرى والدخيل الآخر - مجهول بشخصه، ومعلوم بأصله، أي أصل كون هذا اللفظ ذا معنى واضح، ولكنه بخصوصيته وتشخصه مجهول، فالبحث هنا حول ما يستدل به على تشخيصه وتمييزه.
العلامة الأولى: التبادر إذا عرفت ذلك فاعلم: أن من جملة ما استدل به في المقام هو التبادر، فإن مبادرة المعنى من اللفظ بدون الدخيل الآخر - وجوديا كان، أو عدميا - وانسباقه إلى الذهن من نفس تلك اللفظة، دليل على تلك العلقة الاعتبارية بين اللفظ والمعنى.
وأما سبب حصول تلك العلقة، فهو أمر آخر ربما يكون جعل الواضع، أو غير ذلك من الأمور التي ذكرناها (1).
فالتبادر ليس إلا دليل تلك العلقة إثباتا، ولا مدخلية له في مرحلة الثبوت، فبذلك يستكشف وجودها، ولا يتوقف وجودها عليه، بل هو معلول الأمور الأخر.
أقول: لا معنى لكونه دليلا عليه مع تقوم دليليته بالدليل الآخر، وهو العلم من الخارج بتلك العلقة، ضرورة عدم معقولية الانسباق إلا بعد العلم بتلك العلقة، ومع العلم بها لا معنى لانكشافها ثانيا، لأن الشئ لا ينكشف مرارا، بل الصورة الثانية