المثال الأول، إلا أنه من باب الادعاء والاتساع، لا الحقيقة، وهكذا الابتداء والانتهاء في المثال الثاني، فإنه من باب توهم المبدئية الحرفية، وإلا فهو تعالى حقيقة المبدئية لسائر الموجودات، إلا أنه ليس خصوصية قائمة به تعالى، بخلاف التحرك من البصرة.
ولعدم نيل هذا قيل: " بأن المعاني الحرفية من عالم المفهوم، وتكون المعاني الحرفية تضييق المعاني الاسمية " (1) ظنا أنه بذلك تنحل هذه الشبهة، غفلة عن أن المعاني الحرفية الخارجية، من المبرهنات العقلية والمرتكزات الوجدانية.
فبالجملة: ما ترى في كتب الأدب من قولهم: " بأن كلمة من للابتداء، وكلمة إلى للانتهاء، وكلمة في للظرفية، وكلمة على للاستعلاء " وهكذا، هو بظاهره موافق لأفق التحقيق، وحقيق بالتصديق. هذا تمام الكلام في الحروف الحاكية.
التحقيق في الحروف الإيجادية وأما حروف النداء وغيرها مما يضاهيها في دخولها على الجمل التصديقية، فهي ليست موضوعة لمعنى ذهني، ولا لحقيقة خارجية، بل هي الأسباب الموضوعة لاعتبار المعاني الخارجية المترتبة على الأسباب التكوينية، وتكون موضوعات لاعتبارها في الخارج، وقد عرفت توضيحه (2).
وإجماله: هو أن التمني والترجي والنداء، مصاديق خارجية عينية، كالمعاني الاسمية، ومعان اعتبارية، ولكن الأسماء موضوعة للمعاني الاسمية، والحروف موضوعة لاعتبار تلك المعتبرات عقيبها، فلا دلالة لها إلا من قبيل دلالة الأعلام على الفراسخ، فإنها دلالة لا بالوضع المتعارف في اللغات، بل هي من قبيل الانتقال