(المقدمة الثانية) ان المراد بالجواز في عنوان المسألة يتصور على وجهين (الأول) ان يراد به الامكان العقلي في مقابل الاستحالة العقلية.
(الثاني) ان يراد به الجواز اللغوي بمعنى عدم كون الاستعمال في الأكثر غلطا بحسب الوضع اللغوي وقواعد المحاورة في مقابل الاستعمال الغلط.
(يظهر) من بعض أدلة المنع المعنى الأول، ومن بعضها مثل ما في القوانين المعنى الثاني (إذا عرفت هذا فنقول): ربما يستدل لعدم الجواز عقلا بان الاستعمال في المعنيين موجب للتناقض، لان المعنى الموضوع له مقيد بالوحدة، فمرجع الاستعمال في المعنيين استعماله في هذا وحده وذاك وحده وهما معا، أما الأول فواضح، وأما الثاني فلان المفروض استعماله في الأكثر من معنى واحد.
(أقول) هل المراد بالوحدة هي الوحدة بحسب الماهية أو بحسب الوجود أو بحسب مقام الاستعمال؟ فان أريد الأول بمعنى كون المعنى الموضوع له ماهية واحدة لا ماهيتين (ففيه) ان ذلك امر صحيح ولا يلزم منه تناقض كما لا يخفى. (وان أريد الثاني فيرد عليه) ان الوجود ليس مأخوذا في المعنى الموضوع له، إذ اللفظ يوضع بإزاء نفس المفهوم فلا يلحظ الوجود فضلا عن وحدته وتعدده.
وان أريد الثالث فيرد عليه) ان نحو الاستعمال غير مأخوذ في الموضوع له، فإنه امر مترتب على الوضع ومتأخر عنه رتبة إذ هو عبارة عن افناء اللفظ في معناه، وقبل الوضع لا معنى له.
واستدل في الكفاية على الامتناع العقلي (بما حاصله بتوضيح منا): ان حقيقة الاستعمال ليس مجرد جعل اللفظ علامة لإرادة المعنى، بل هو عبارة عن جعل اللفظ وجها وعنوانا للمعنى، بل بوجه نفسه بحيث كأنه هو الملقى فيكون اللفظ مرآتا للمعنى وفانيا فيه، فيكون النظر إلى نفس المعنى واللفظ يكون مغفولا عنه، نظير التوجه إلى المرآة، فان المرآة ربما ينظر إليها بالنظر الاستقلالي، فترى شيئا بحيالها فتكون مما ينظر فيها لتشخيص جنسها وتميز عيوبها لتشترى مثلا، و ربما ينظر إليها بالنظر المرآتي فتكون في هذا اللحاظ مما ينظر بها إلى الصورة وتكون