بما أنه وجود لها، ولو عصى المكلف وأوجد فردا منها يكون سائر الافراد أيضا مزجورا عنها لأنها أيضا وجودات لهذه الطبيعة، والمفروض تعلق الزجر بنفس حيثية الطبيعة، ومقتضاه تنفر المولى من وجود الطبيعة بما هو وجود لها فيسرى الحكم أينما سرت (فان قلت): كما أن امتثال التكليف يوجب سقوطه فكذلك عصيانه فكيف يبقى الزجر عنها مع تحقق العصيان! (قلت) هذا الكلام من الأغلاط المشهورة، إذ لا نسلم ان العصيان من المسقطات، وما تراه من سقوط الواجب الموقت بعصيانه في وقته فليس ذلك من جهة مسقطية العصيان بل من جهة عدم القدرة عليه بانقضاء وقته (والحاصل) ان تعلق الزجر بأصل الطبيعة بحيث تكون نفس حيثيتها تمام الموضوع للزجر يقتضى سريان الزجر إلى جميع افرادها ويكون كل فرد منها بما هو وجود لها مزجورا عنه، وإذا تحقق العصيان في بعضها يبقى الزجر بالنسبة إلى البقية، وليس ذلك بسبب لحاظ السريان استيعابا، بل هو مقتضى كون نفس حيثية الطبيعة تمام الموضوع للزجر، ومثل ذلك الأحكام الوضعية إذا تعلقت بالطبيعة كقوله (تعالى): أحل الله البيع مثلا، فان كون نفس حيثية الطبيعة تمام الموضوع للصحة مثلا يقتضى سريانها أينما سرت، ونتيجته العموم الاستغراقي (وبالجملة) اختلاف نتيجة الاطلاق بالبدلية والاستغراق انما هو من مقتضيات الاحكام المتعلقة بها، والا فمعنى الاطلاق في جميعها ليس إلا جعل حيثية الطبيعة تمام الموضوع للحكم من دون ان يلحظ السريان فضلا عن البدلية أو الاستيعاب، وعلي هذا فلا يرد ما أورده بعض أعاظم العصر من أن مقدمات الحكمة اما ان تنتج السريان البدلي أو السريان الاستيعابي فلم يحكم في بعض الموارد بهذا وفي بعض الموارد بذاك؟ ولا يصح الجواب عن ذلك بان نتيجة المقدمات هو أصل السريان، والخصوصيات تستفاد من قرائن المقام، بل الحق في الجواب ان نتيجة المقدمات هو الارسال لا السريان، ومعنى الارسال هو عدم تقييد الطبيعة في مقام الموضوعية للحكم، وجعلها تمام الموضوع له، لا لحاظ الشياع والسريان، غاية الامر ان نتيجة كونها تمام الموضوع تختلف باختلاف الاحكام المتعلقة بها، ففي الأوامر تكون النتيجة هي العموم البدلي وفي النواهي والاحكام الوضعية العموم الاستغراقي، ولذا يطلق على البيع في قوله (تعالى): أحل الله البيع العام كما يطلق عليه
(٣٤٧)