(وقال بعض أعاظم العصر ما حاصله): انه ربما يقال: ان العلم الاجمالي بحرمة اكرام زيد العالم أو الجاهل موجب لترك اكرامهما معا، ولا يكون عموم العام موجبا لانحلاله، فان دليل العموم بمنزلة الكبرى الكلية فلا يتكفل لحال الفرد، وليس حاله حال البينة القائمة على وجوب اكرام زيد العالم الموجبة لانحلال العلم، فالعلم الاجمالي موجب لسقوط العام من الحجية بالنسبة إلى زيد العالم. (وفيه) ان العام وإن لم يتكفل لحكم الفرد ابتداء ولكنه يثبت حكمه بعد انضمام الصغرى المعلومة إلى الكبرى المستفادة من دليل العام، وإذا ثبت له الحكم الوجوبي بالعموم ارتفع عنه الحكم التحريمي بالملازمة فتتعين الحرمة في الطرف الاخر لكون المثبتات من الأصول اللفظية حجة، فينحل العلم أيضا ببركة العام إذ الانحلال يتحقق اما باثبات الحكم المعلوم بالاجمال في طرف أو بنفيه عنه انتهى.
(أقول) هذا المعاصر لم يعنون الامر السابق فكأنه كان مبناه فيه أيضا جواز التمسك بالعام لنفى فردية ما شك في فرديته له لما ذكره من حجية مثبتات الأصول اللفظية، وقد عرفت الجواب عن ذلك وان حجيتها من باب بناء العقلاء، ولم يستقر بنائهم على العمل بأصالة العموم الا فيما إذا شك في تطابق الإرادتين فتدبر.
(الامر الثامن) إذا وقع الاختلاف في كون يد أمينة أو عادية فالمشهور على أن القول قول مدعى الضمان وان البينة على مدعى الأمانة، وحيث إن ذلك بحسب الظاهر على خلاف القواعد، إذ القاعدة تقتضي تقديم قول مدعى الأمانة من جهة ان الأصل عدم الضمان، تصدى بعضهم لتصحيح فتوى المشهور، فاستدل لذلك بعموم على اليد، ونحن أيضا تمسكنا به في حواشينا على العروة، ولكنه لا يخفى فساده، فان عمومه مخصص باليد الأمينة، فالتمسك به في اليد المشكوك فيها تمسك بالعام في الشبهات المصداقية، وليس فتوى المشهور في هذه المسألة دليلا على اجازتهم لهذا النحو من التمسك لعدم استنادهم في هذه الفتوى إلى ذلك، (والظاهر) ان مستندهم في هذه الفتوى الروايات الواردة في المسألة وحيث لم يظفر عليها بعض المتأخرين ذكر وجوها غير مغنية، ومن الروايات رواية ابن أبي نصر عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن الأول عليه السلام فراجع.