وافهام تصديقي، فالافهام التصوري كدلالة الأسماء على معانيها الاستقلالية، وكدلالة الحروف على معانيها الربطية. وكدلالة هيئة الإضافة على النسبة الإضافية فالمقصود من الاستعمال في هذا النوع القاء المعنى الاسمي أو الحرفي إلى المخاطب، وافهامه إياه ليتصوره من دون ان يراد تصديقه بالوقوع، والدلالة في هذا النوع دلالة تصورية. واما الافهام التصديقي فكدلالة هيئة الجملة الفعلية أو الاسمية على النسبة التامة الخبرية، حيث إن المقصود في هذا النوع القاء المعنى أي النسبة إلى المخاطب ليصدق بوقوعها، فالدلالة حينئذ دلالة تصديقية.
(إذا عرفت ذلك) فنقول: اماما وضع من الألفاظ والهيئات بداعي الافهام التصوري فلا يكون دلالتها على معانيها متوقفة على شئ، بل يكون نفس سماعها مع العلم بالوضع موجبا لتصور معانيها الاستقلالية أو الربطية من دون توقف على إرادة المتكلم. واما ما وضع بداعي الافهام التصديقي بان كان المراد من استعمالها في معناها تصديق المخاطب بوقوعها، فترتب ذلك عليه يتوقف على أن يحرز المخاطب أمورا أربعة في ناحية المتكلم، (الأول) أن يكون المتكلم عالما بالوضع، (الثاني) أن يكون مريدا لتصديق المخاطب بان يكون القائه للمعنى بداعي التصديق لابداع آخر (الثالث) أن يكون عالما جازما بالنسبة لا شاكا فيها (الرابع) أن يكون علمه مطابقا للواقع كما في الأنبياء والمرسلين. فإذا أحرز المخاطب تحقق هذه الأمور في ناحية المتكلم يحصل له التصديق قهرا بمفاد النسبة التي ألقاها المتكلم وإلا فلا. (وبالجملة) فالدلالة التصديقية بالمعنى الذي ذكرناه تتوقف مضافا إلى علم المخاطب بالوضع على احراز هذه الأمور الأربعة في ناحية المتكلم، ومنها إرادة المتكلم لتصديقه من دون أن يكون لتلك المقدمات الأربعة دخل في الموضوع له، بل هي مما يتوقف عليها تحقق التصديق خارجا. واما الدلالة التصورية فلا تتوقف على شئ سوى علم المخاطب بالوضع فالمراد بالدلالة التصديقية التي تتبع الإرادة هو ما ذكرناه، لا ما ذكره في الكفاية (هذا) مضافا إلى أنه (يرد عليه أولا) ان الظاهر عدم انطباق ما نسب إلى العلمين على ما ذكره (قده) كما لا يخفى على من راجع كلامهما في مبحث المفرد والمركب من منطق الإشارات. (وثانيا)