ووجود المعلول وجود ثالث بينهما يسمى بالايجاد، هذا. (والاحتمال الثاني) أقوى من الأول كما لا يخفى.
(الخامس) انه وقع بين الأصوليين نزاع في أنه هل يجوز ان يؤمر المكلف بالمسببات أو لا يجوز بل الواجب تعلق الامر بأسبابها حتى أنه إذا فرض تعلقه بحسب الظاهر بالمسبب فهو بحسب الحقيقة متعلق بالسبب؟
(ولا يخفى) ان النزاع في ترشح الوجوب من ذي المقدمة إلى المقدمة (في المقدمات السببية) انما هو على الأول دون الثاني. (واستدل) لعدم الجواز بوجهين:
(الأول) ان المسبب غير مقدور للمكلف، ولا يجوز التكليف بغير المقدور.
(الثاني) ان المكلف به يجب أن يكون فعلا من أفعال المكلف، وحركة المفتاح مثلا ليست من أفعاله، وما هو فعل له عبارة عن السبب (أعني حركة اليد).
(والجواب) اما عن الأول فبان المقدور بالواسطة أيضا مقدور، إذ كل واحد من وجوده وعدمه باختيار المكلف (واما عن الثاني) فبانا لا نعنى بالفعل الا ما يكون صادرا عن المكلف بحيث لولا اصداره له لما وجد، فلو لم يحرك المكلف يده مثلا لما تحرك المفتاح ولا انفتح الباب، فحركة المفتاح وانفتاح الباب كلاهما فعلان اختياريان للمكلف، غاية الامر كونهما مع الواسطة، هذا، (مضافا) إلى أنه لم يرد آية ولا رواية على أن المأمور به يجب ان ينطبق عليه عنوان الفعل، وانما الذي يجب (بحكم العقل) هو أن يكون وجود المأمور به مستندا إلى إرادة المكلف واختياره بحيث ان أراد ايجاده وجد وان أراد تركه لم يوجد، وهيهنا كذلك (وربما يفصل) في المسألة بين ما إذا توسط إرادة من الغير بين وجود السبب ووجود المسبب وبين ما لم تتوسط، ففي الأول ان ورد أمر بالمسبب فهو أمر بالسبب حقيقة بخلاف الثاني، مثال الأول ما إذا كلف زيد من طرف مولاه بالقاء عمرو في المسبعة أو بتسليمه إلى ظالم ليقتله، فان إرادة السبع أو الظالم تتوسط في هلاك عمرو فان تعلق الامر ظاهرا بهلاك عمرو بهذه الكيفية فهو متعلق بالسبب حقيقة، وهو الالقاء أو التسليم، ومثال الثاني حركة اليد وحركة المفتاح.
(وهذا التفصيل) أيضا خلاف التحقيق، فالأقوى ان المسببات يجوز ان تكون مأمورا بها مطلقا.