استبدل السحر بدين الله ماله في الآخرة من خلاق، وهو النصيب من الخير. وقال الحسن: (ماله من دين) وهذا يدل على أن العمل بالسحر وقبوله كفر. وقوله: (ولبئس ما شروا به أنفسهم): قيل باعوا به أنفسهم، كقول الشاعر:
وشريت بردا ليتني * من بعد برد كنت هامه يعنى: بعته. وهذا أيضا يؤكد أن قبوله والعمل به كفر. وكذلك قوله: (ولو أنهم آمنوا واتقوا) يقتضي ذلك أيضا.
قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا) قال قطرب: (هي كلمة أهل الحجاز على وجه الهزء). وقيل: إن اليهود كانت تقولها كما قال الله في موضع آخر:
(ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين) [النساء: 46]. وكانوا يقولون ذلك عن مواطأة بينهم يريدون الهزء، كما قال الله تعالى:
(وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله) [المجادلة: 8] لأنهم كانوا يقولون (السام عليك) يوهمون بذلك أنهم يسلمون عليه، فأطلع الله نبيه عليه السلام على ذلك من أمرهم ونهى المسلمين أن يقولوا مثله. وقوله: (راعنا) وإن كان يحتمل المراعاة والانتظار، فإنه لما احتمل الهزء على النحو الذي كانت اليهود تطلقه نهوا عن إطلاقه لما فيه من احتمال المعنى المحظور إطلاقه. وجائز أن يكون الإطلاق مقتضيا لمعنى الهزء وإن احتمل الانتظار، ومثله موجود في اللغة، ألا ترى أن اسم الوعد يطلق على الخير والشر؟ قال الله تعالى: (النار وعدها الله الذين كفروا) [الحج: 72] وقال تعالى:
(ذلك وعد غير مكذوب) [هود: 65] ومتى أطلق عقل به الخير دون الشر، فكذلك قوله (راعنا) فيه احتمال الأمرين، وعند الإطلاق يكون بالهزء أخص منه بالانتظار.
وهذا يدل على أن كل لفظ احتمل الخير والشر فغير جائز إطلاقه حتى يقيد بما يفيد الخير، ويدل على أن الهزء محظور في الدين، وكذلك اللفظ المحتمل له ولغيره هو محظور، والله أعلم بمعاني كتابه.
باب في نسخ القرآن بالسنة وذكر وجوه النسخ قال الله تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) قال قائلون:
(النسخ هو الإزالة) وقال آخرون: (هو الإبدال) قال الله تعالى: (فينسخ الله ما يلقي الشيطان) [الحج: 52] أي يزيله ويبطله ويبدل مكانه آيات محكمات. وقيل: هو النقل، من قوله (إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) [الجاثية: 29] وهذا الاختلاف إنما هو في موضوعه في أصل اللغة، ومهما كان في أصل اللغة معناه فإنه في إطلاق الشرع إنما هو