الإضرار بها لكنهما يخافان أن لا يقيما حدود الله في حسن العشرة وتوفية ما ألزمهما الله من حقوق النكاح، وهذه الحال غير تلك، فليس في إحداهما ما يعترض به على الأخرى، ولا يوجب نسخها ولا تخصيصها أيضا، إذ كل واحدة مستعملة فيما وردت فيه. وكذلك قوله تعالى: (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) [النساء: 19] إذا كان خطابا للأزواج، فإنما حظر عليهم أخذ شئ من مالها إذا كان النشوز من قبله قاصدا للإضرار بها، إلا أن يأتي بفاحشة مبينة، فقال ابن سيرين وأبو قلابة: يعني أن يظهر منها على زنا. وروي عن عطاء والزهري وعمرو بن شعيب أن الخلع لا يحل إلا من الناشز.
فليس في شئ من هذه الآيات نسخ، وجميعها مستعمل، والله أعلم.
ذكر اختلاف السلف وسائر فقهاء الأمصار فيما يحل أخذه بالخلع روى عن علي رضي الله عنه: (أنه كره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها) وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وطاوس وسعيد بن جبير. وروي عن عمر وعثمان وابن عمر وابن عباس ومجاهد وإبراهيم والحسن رواية أخرى: (أنه جائز له أن يخلعها على أكثر مما أعطاها ولو بعقاصها). وقال أبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد: (إذا كان النشوز من قبلها حل له أن يأخذ منها ما أعطاها ولا يزداد، وإن كان النشوز من قبله لم يحل له أن يأخذ منها شيئا، فإن فعل جاز في القضاء). وقال ابن شبرمة: (تجوز المبارأة إذا كانت من غير إضرار منه، وإن كانت على إضرار منه لم تجز). وقال ابن وهب عن مالك: (إذا علم أن زوجها أضر بها وضيق عليها وأنه ظالم لها قضى عليها الطلاق ورد عليها مالها).
وذكر ابن القاسم عن مالك (أنه جائز للرجل أن يأخذ منها في الخلع أكثر مما أعطاها ويحل له، وإن كان النشوز من قبل الزوج حل له أن يأخذ ما أعطته على الخلع إذا رضيت بذلك، ولم يكن في ذلك ضرر منه لها)، وعن الليث نحو ذلك، وقال الثوري: (إذا كان الخلع من قبلها فلا بأس أن يأخذ منها شيئا، وإذا كان من قبله فلا يحل له أن يأخذ منها شيئا). وقال الأوزاعي في رجل خالع امرأته وهي مريضة: (إن كانت ناشزة كان في ثلثها، وإن لم تكن ناشزة رد عليها وكانت له عليها الرجعة، وإن خالعها قبل أن يدخل بها على جميع ما أصدقها ولم يتبين منها نشوز أنهما إذا اجتمعا على فسخ النكاح قبل أن يدخل بها، فلا أرى بذلك بأسا). وقال الحسن بن حي: (إذا كانت الإساءة من قبله فليس له أن يخلعها بقليل ولا كثير، وإذا كانت الإساءة من قبلها والتعطيل لحقه كان له أن يخالعها على ما تراضيا عليه) وكذلك قول عثمان البتي. وقال الشافعي: (إذا كانت المرأة مانعة ما يجب عليها لزوجها حلت الفدية للزوج، وإذا حل له أن يأكل ما طابت به نفسا على غير فراق حل له أن يأكل ما طابت به نفسا وتأخذ الفراق به).