الفطر، فعلمنا أنهما غير داخلتين في قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه) وقوله: (وأن تصوموا خير لكم) عائدا إلى من تقدم ذكره في أول الخطاب، وجائز أن يكون قوله:
(وأن تصوموا خير لكم) عائدا إلى المسافرين أيضا مع عودة على المقيمين المخيرين بين الصوم والإطعام، فيكون الصوم خيرا للجميع، إذا كان أكثر المسافرين يمكنهم الصوم في العادة من غير ضرر وإن كان الأغلب فيه المشقة، ودلالته واضحة على أن الصوم في السفر أفضل من الإفطار. وفيه الدلالة على أن صوم يوم تطوعا أفضل من صدقة نصف صاع، لأنه في الفرض كذلك، ألا ترى أنه لما خيره في الفرض بين صوم يوم وصدقة نصف صاع جعل الصوم أفضل منها؟ فكذلك يجب أن يكون حكمهما في التطوع. والله الموفق.
باب الحامل والمرضع قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر والثوري والحسن بن حي: (وإذا خافتا على ولديهما أو على أنفسهما فإنهما تفطران وتقضيان ولا كفارة عليهما). وقال مالك في المرضع إذا خافت على ولدها ولا يقبل الصبي من غيرها: (فإنها تفطر وتقضي وتطعم عن كل يوم مدا مسكينا، والحامل إذا أفطرت لا إطعام عليها)، وهو قول الليث بن سعد. وقال مالك: (وإن خافتا على أنفسهما فهما مثل المريض). وقال الشافعي: (إذا خافتا على ولديهما أفطرتا وعليهما القضاء والكفارة، وإن لم تقدرا على الصوم فهما مثل المريض عليهما القضاء بلا كفارة)، وروي عنه في البويطي أن الحامل لا إطعام عليها.
واختلف السلف في ذلك على ثلاثة أوجه، فقال على كرم الله وجهه: (عليهما القضاء إذا أفطرتا ولا فدية عليهما)، وهو قول إبراهيم والحسن وعطاء. وقال ابن عباس: (عليهما الفدية بلا قضاء). وقال ابن عمر ومجاهد: (عليهما الفدية والقضاء). والحجة لأصحابنا ما حدثنا جعفر بن محمد بن أحمد الواسطي قال: حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد بن اليمان قال: حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب قال: حدثني أبو قلابة هذا الحديث، ثم قال: هل لك في صاحب الحديث الذي حدثني؟
قال: فدلني عليه، فلقيته، فقال: حدثني قريب لي يقال له أنس بن مالك قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبل لجار لي أخذت، فوافقته وهو يأكل، فدعاني إلى طعامه فقلت:
إني صائم، فقال: (إذا أخبرك عن ذلك! إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة والصوم وعن الحامل والمرضع) قال: فكان يتلهف بعد ذلك يقول: ألا أكون أكلت من طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعاني! قال أبو بكر: شطر الصلاة مخصوص به المسافر، إذ لا