الآيات كلها أنزلت قبل لزوم فرض القتال، وذلك قبل الهجرة، وإنما كان الغرض الدعاء إلى الدين حينئذ بالحجاج والنظر في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وما أظهره الله على يده، وأن مثله لا يوجد مع غير الأنبياء، ونحوه قوله تعالى: (قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة) [سبأ: 46] وقوله تعالى: (قل أو لم جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم) [الزخرف: 24] وقوله تعالى: (أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى فأنى تؤفكون) [طه: 133] أفلا تعقلون [البقرة: 44] (فأنى تصرفون) [يونس: 32] ونحوها من الآي التي فيها الأمر بالنظر في أمر النبي عليه السلام وما أظهره الله تعالى له من أعلام النبوة والدلائل الدالة على صدقه. ثم لما هاجر إلى المدينة أمره الله تعالى بالقتال بعد قطع العذر في الحجاج وتقريره عندهم حين استقرت آياته ومعجزاته عند الحاضر والبادي والداني والقاصي بالمشاهدة والأخبار المستفيضة التي لا يكذب مثلها. وسنذكر فرض القتال عند مصيرنا إلى الآيات الموجبة له إن شاء الله تعالى.
وقوله تعالى: (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين)، روى معمر عن قتادة قال: هو بخت نصر، خرب بيت المقدس وأعان على ذلك النصارى. وقوله تعالى: (أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين) قال: هم النصارى لا يدخلونها إلا مسارقة، فإن قدر عليهم عوقبوا لهم في الدنيا خزي، قال: (يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون). وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد في هذه الآية قال: (هم النصارى خربوا بيت المقدس).
قال أبو بكر: ما روي في خبر قتادة يشبه أن يكون غلطا من راويه، لأنه لا خلاف بين أهل العلم بأخبار الأولين أن عهد بخت نصر كان قبل مولد المسيح عليه السلام بدهر طويل، والنصارى إنما كانوا بعد المسيح وإليه ينتمون، فكيف يكونون مع بخت نصر في تخريب بيت المقدس والنصارى إنما استقاض دينهم في الشام والروم في أيام قسطنطين الملك وكان قبل الاسلام بمائتي سنة وكسور؟ وإنما كانوا قبل ذلك صابئين عبدة أوثان وكان من ينتحل النصرانية منهم مغمورين مستخفين بأديانهم فيما بينهم، ومع ذلك فإن النصارى تعتقد من تعظيم بيت المقدس مثل اعتقاد اليهود فكيف أعانوا على تخريبه مع اعتقادهم فيه؟ ومن الناس من يقول: إن الآية إنما هي في شأن المشركين حيث منعوا المسلمين من ذكر الله في المسجد الحرام، وإن سعيهم في خرابه إنما هو منعهم من عمارته بذكر الله وطاعته.
قال أبو بكر: في هذه الآية دلالة على منع أهل الذمة دخول المساجد من وجهين،