وقد مات هذا الرجل من عملي ففيه الدية) فإنه لا معنى له، لأن رجلا لو جرح رجلا بحديدة قد يموت المجروح من مثله وقد لا يموت، لكان عليه فيه القصاص، فكان الواجب على قوله إيجاب القصاص كما يجب في الحديدة. وقوله: (قد يموت وقد لا يموت) ليس بعلة في زوال القصاص لوجودها في الجارح بحديدة بعد أن يقر الساحر أنه قد مات من عمله.
فإن قيل: فقد جعله بمنزلة شبه العمد والضرب بالعصا واللطمة التي قد تقتل وقد لا تقتل! قيل له: ولم صار بالقتل بالعصا واللطمة أشبه منه بالحديدة؟ فإن فرق بينهما من جهة أن هذا سلاح وذاك ليس بسلاح، لزمه في كل ما ليس بسلاح أن لا يقتص منه، ويلزمه حينئذ اعتبار السلاح دون غيره في إيجاب القود.
وقول الشافعي: (وإن قال مرض منه ولم يمت أقسم أولياؤه لما مات منه) مخالف في النظر لأحكام الجنايات، لأن من جرح رجلا فلم يزل صاحب فراش حتى مات، لزمه حكم جنايته وكان محكوما بحدوث الموت عند الجراحة ولا يحتاج إلى إيمان الأولياء في موته منها، فكذلك يلزمه مثله في الساحر إذا أقر أن المسحور مرض من سحره.
فإن قيل: كذلك نقول في المريض من الجراحة إذا لم يزل صاحب فراش حتى مات أنهم إذا اختلفوا لم يحكم بالقتل حتى يقسم أولياء المجروح! قيل له فينبغي أن تقول مثله لو ضربه بالسيف ووالى بين الضرب حتى قتله من ساعته، فقال الجارح: مات من علة كانت به قبل الضربة الثانية، أو قال: اخترمه الله تعالى ولم يمت من ضربتي، أن تقسم الأولياء. وهذا لا يقوله أحد، وكذلك ما وصفنا.
قال أبو بكر: قد تكلمنا في معنى السحر واختلاف الفقهاء بما فيه كفاية في حكم الساحر، ونتكلم الآن في معاني الآية ومقتضاها، فنقول: إن قوله تعالى: (وأتعبوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان) فقد روي فيه عن ابن عباس أن المراد به اليهود الذين كانوا في زمن سليمان بن داود عليهما السلام وفي زمن النبي صلى الله عليه وسلم. وروي مثله عن ابن جريج وابن إسحاق. وقال الربيع بن أنس والسدي: (المراد به اليهود الذين كانوا في زمن سليمان). وقال بعضهم: (أراد الجميع، من كان منهم في زمن سليمان ومن كان منهم في عصر النبي عليه السلام، لأن متبعي السحر من اليهود لم يزالوا منذ عهد سليمان إلى أن بعث الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فوصف الله هؤلاء اليهود الذين لم يقبلوا القرآن ونبذوه وراء ظهورهم مع كفرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم اتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وهو يريد شياطين الجن والإنس). ومعنى تتلو: تخبر وتقرأ، وقيل: تتبع، لأن التالي تابع.
وقوله: (على ملك سليمان) قيل فيه: على عهده، وقيل فيه: على ملكه، وقيل فيه: