وندب إليه، وفيه بيان أن ما لم يشرعه قربة ولا ندب إليه لا يصير قربة ولا دينا بأن يتقرب به متقرب ويعتقده دينا. ونظيره من السنة ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من نهيه عن صمت يوم إلى الليل، وأنه رأى رجلا في الشمس فقال: (ما شأنه؟) فقيل: إنه نذر أن يقوم في الشمس، فأمره بأن يتحول إلى الفئ. وأنه عليه السلام نهى عن الوصال لأن الليل لا صوم فيه، فنهى أن يعتقد صومه وترك الأكل فيه قربة. وهذا كله أصل في أن من نذر ما ليس بقربة لم يلزمه بالنذر ولا يصير قربة بالإيجاب. ويدل أيضا على أن ما ليس له أصل في الوجوب وإن كان قربة لا يصير واجبا بالنذر، نحو عيادة المريض وإجابة الدعوة والمشي إلى المسجد والقعود فيه، والله تعالى أعلم.
باب فرض الجهاد قال الله تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين).
قال أبو بكر: لم تختلف الأمة أن القتال كان محظورا قبل الهجرة بقوله: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) [فصلت: 34 و 53] وقوله: (فاعف عنهم واصفح) [المائدة: 13] وقوله (وجادلهم بالتي هي أحسن) [النحل: 125] وقوله: (فإن تولوا فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب) [آل عمران: 20] وقوله: (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) [الفرقان: 63]. وروى عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن عبد الرحمن ابن عوف وأصحابا له كانت أموالهم بمكة فقالوا: يا رسول الله كنا في عزة ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلاء! فقال عليه السلام: (إن أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم) فلما حوله إلى المدينة أمروا بالقتال فكفوا، فأنزل الله: (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس) [النساء: 77]. وحدثنا جعفر بن محمد الواسطي قال: حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد بن اليمان قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح، عن علي بن أبي طلحة.، عن ابن عباس في قوله عز وجل: (لست عليهم بمسيطر) [الغاشية: 22] وقوله: (وما أنت عليهم بجبار) [ق: 5] وقوله: (فاعف عنهم واصفح) [المائدة:
13] وقوله: (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله) [الجاثية: 14] قال:
نسخ هذا كله قوله تعالى: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) [التوبة: 5] وقوله تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) [التوبة: 29] إلى قوله:
(صاغرون) [التوبة: 29].