تكذب عليه، لأنه إذا كان الخبر كذبا قيل تلا عليه، وإذا كان صدقا قيل: تلا عنه، وإذا أبهم جاز فيه الأمران جميعا، قال الله تعالى: (أم تقولون على الله مالا تعلمون) [البقرة: 80] وكانت اليهود تضيف السحر إلى سليمان وتزعم أن ملكه كان به، فبرأه الله تعالى من ذلك، ذكر ذلك عن ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة، وقال محمد بن إسحاق: قال بعض أحبار اليهود: ألا تعجبون من محمد يزعم أن سليمان كان نبيا؟ والله ما كان إلا ساحرا! فأنزل الله تعالى: (وما كفر سليمان) وقيل: إن اليهود إنما أضافت السحر إلى سليمان توصلا منهم إلى قبول الناس ذلك منهم ولتجوزه عليهم، وكذبوا عليه في ذلك. وقيل: إن سليمان جمع كتب السحر ودفنها تحت كرسيه أو في خزانته لئلا يعمل به الناس، فلما مات ظهر عليه، فقالت الشياطين: بهذا كان يتم ملكه، وشاع ذلك في اليهود وقبلته وأضافته إليه. وجائز أن يكون المراد شياطين الإنس، وجائز أن يكون الشياطين دفنوا السحر تحت كرسي سليمان في حياته من غير علمه، فلما مات وظهر نسبوه إلى سليمان، وجائز أن يكون الفاعلون لذلك شياطين الإنس استخرجوه بعد موته وأوهموا الناس أن سليمان كان فعل ذلك ليوهموهم ويخدعوهم به.
قوله تعالى: (وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت) قد قرئ بنصب اللام وخفضها، فمن قرأها بنصبها جعلهما من الملائكة، ومن قرأها بخفضها جعلهما من غير الملائكة، وقد روي عن الضحاك أنهما كان علجين من أهل بابل.
والقراءتان صحيحتان غير متنافيتين، لأنه جائز أن يكون الله أنزل ملكين في زمن هذين الملكين لاستيلاء السحر عليهما واغترارهما وسائر الناس بقولهما وقبولهم منهما، فإذا كان الملكان مأمورين بإبلاغهما وتعريفهما وسائر الناس معنى السحر ومخاريق السحرة وكفرها جاز أن نقول في إحدى القراءتين: وما أنزل على الملكين اللذين هما من الملائكة، بأن أنزل عليهما ذلك، ونقول في القراءة الأخرى: وما أنزل على الملكين من الناس، لأن الملكين كانا مأمورين بإبلاغهما وتعريفهما، كما قال الله تعالى في خطاب رسوله: (ونزلنا ع ليك الكتاب تبيانا لكل شئ) [النحل: 89] وقال في موضع آخر:
(قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا) [البقرة: 136] فأضاف الإنزال تارة إلى الرسول عليه السلام وتارة إلى المرسل إليهم. وإنما خص الملكين بالذكر وإن كانا مأمورين بتعريف الكافة، لأن العامة كانت تبعا للملكين، فكان أبلغ الأشياء في تقرير معاني السحر والدلالة على بطلانه تخصيص الملكين به ليتبعهما الناس، كما قال لموسى وهارون:
إذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) [طه: 44] وقد كانا عليهما السلام رسولين إلى رعاياه كما أرسلا إليه، ولكنه خصه بالمخاطبة لأن ذلك أنفع