سواء، كما كان قتل ما له دم سائل من غير سفح دمه وموته حتف أنفه سواء في كونه غير مذكى. فكذلك واجب أن يستوي حكم قتل الجراد وموته حتف أنفه، إذ ليس هو مما يسفح دمه.
فإن قيل: قد فرقت بين السمك الطافي، وما قتله آخذه أو مات بسبب حادث، فما أنكرت من فرقنا بين ما مات من الجراد وما قتل منه؟ قيل له: الجواب عن هذا من وجهين، أحدهما أن هذا هو القياس في السمك لما لم يحتج في صحة ذكاته إلى سفح الدم، إلا أنا تركنا القياس للآثار التي ذكرنا، ومن أصلنا تخصيص القياس بالآثار، وليس معك الأثر في تخصيص بعض الجراد بالإباحة دون بعض، فوجب استعمال أخبار الإباحة في الكل. والوجه الآخر: أن السمك له دم سائل فكان له ذكاة من جهة القتل ولم يحتج إلى سفح دمه في شرط الذكاة، لأن دمه ظاهر وهو يؤكل بدمه، فلذلك شرط فيه موته بسبب حادث يقوم له مقام الذكاة في سائر ما له دم سائل، وهذا المعنى غير موجود في الجراد، فلذلك اختلفا، وقد روي عن ابن عمر أنه قال: (الجراد كله ذكي) وعن عمر وصهيب والمقداد إباحة أكل الجراد، ولم يفرقوا بين شئ منه، والله أعلم.
باب ذكاة الجنين قال أبو بكر: اختلف أهل العلم في جنين الناقة والبقرة وغيرهما إذا خرج ميتا بعد ذبح الأم، فقال أبو حنيفة رضي الله عنه: (لا يؤكل إلا أن يخرج حيا فيذبح) وهو قول حماد. وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي رحمة الله عليهم: (يؤكل أشعر أو لم يشعر) وهو قول الثوري. وقد روي عن علي وابن عمر قالا: (ذكاة الجنين ذكاة أمه). وقال مالك: (إن تم خلقه ونبت شعره أكل وإلا فلا) وهو قول سعيد بن المسيب. وقال الأوزاعي: (إذا تم خلقه فذكاة أمه ذكاته). قال الله تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم) وقال في آخرها (إلا ما ذكيتم) [المائدة: 3] وقال: إنما (حرمت عليكم الميتة) فحرم الله الميتة مطلقا واستثنى المذكى منها. وبين النبي صلى الله عليه وسلم الذكاة في المقدور على ذكاته في النحر واللبة وفي غير المقدور على ذكاته بسفح دمه بقوله عليه السلام: (أنهر الدم بما شئت!) وقوله في المعراض: (إذا خزق فكل وإذا لم يخزق فلا تأكل!) فلما كانت الذكاة منقسمة إلى هذين الوجهين وحكم الله بتحريم الميتة حكما عاما واستثنى منه المذكى بالصفة التي ذكرنا على لسان نبيه ولم تكن هذه الصفة موجودة في الجنين، كان محرما بظاهر الآية.
واحتج من أباح ذلك بأخبار رويت من طرق، منها عن أبي سعيد الخدري وأبي