آخر: (تسعة وعشرون) فدل على أن كل واحد من العددين إذا أطلق أفاد ما بإزائه من الآخر، ألا ترى أنه لما اختلف العددان من الليالي والأيام فصل بينهما في اللفظ في قوله تعالى: (سبع ليال وثمانية أيام حسوما) [الحاقة: 7]؟ وذكر الفراء أنهم يقولون (صمنا عشرا من شهر رمضان) فيعبرون بذكر الليالي عن الأيام، لأن عشرا لا تكون إلا الليالي، ألا ترى أنه لو قال عشرة أيام لم يجز فيها إلا التذكير؟ وأنشد الفراء:
أقامت ثلاثا بين يوم وليلة * وكان النكير أن تضيف وتجارا فقال (ثلاثا وهي الليالي، وذكر اليوم والليلة في المراد. وإذا ثبت ما وصفنا كان قوله تعالى: (أربعة أشهر وعشرا) مفيدا لكون المدة أربعة أشهر على ما قدمنا من الاعتبار، وعشرة أيام زائدة عليها، وإن كان لفظ العدد واردا بلفظ التأنيث.
ذكر الاختلاف في خروج المعتدة من بيتها قال أصحابنا: لا تنتقل المبتوتة ولا المتوفى عنها زجها عن بيتها الذي كانت تسكنه، وتخرج المتوفى عنها زوجها بالنهار ولا تبيت في غير منزلها، ولا تخرج المطلقة ليلا ولا نهارا إلا من عذر، وهو قول الحسن. وقال مالك: (لا تنتقل المطلقة المبتوتة ولا الرجعية ولا المتوفى عنها، ولا يخرجن بالنهار، ولا يبتن عن بيوتهن). وقال الشافعي: (ولم يكن الإحداد في سكنى البيوت فتسكن المتوفى عنها زوجها أي بيت كانت فيه جيدا أو رديا، وإنما الإحداد في الزينة).
قال أبو بكر: أما المطلقة فلقوله تعالى: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) [الطلاق: 1] فحظر خروجها وإخراجها في العدة إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، وذلك ضرب من العذر، فأباح خروجها لعذر. وقد اختلف في الفاحشة المذكورة في هذه الآية، وسنذكرها في موضعها إن شاء الله. وأما المتوفى عنها زوجها فإن الله تعالى قال في العدة الأولى: (متاعا إلى الحول غير اخراج) ثم نسخ منها ما زاد على الأربعة الأشهر والعشر، فبقي حكم هذه العدة الثانية على ما كان عليه من ترك الخروج، إذ لم يرد لها نسخ وإنما النسخ فيما زاد.
وقد وردت السنة بمثل ما دل عليه الكتاب، حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا عبد الله بن سلمة القعنبي، عن مالك عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة، أن الفريعة بنت مالك بن سنان - وهي أخت أبي سعيد الخدري - أخبرتها أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة فإن زوجها قتله عبد له، فسألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم