ومعلوم بطلان شهادته لنفسه، فكذلك لابنه. وإذا ثبت ذلك في الابن كان ذلك حكم شهادة الابن لأبيه، إذ لم يفرق أحد بينهما.
فإن قيل: إذا كان الشاهد عدلا فواجب قبول شهادته لهؤلاء كما نقبلها لأجنبي، وإن كانت شهادته لهؤلاء غير مقبولة لأجل التهمة فغير جائز قبولها للأجنبي، لأن من كان متهما في الشهادة لابنه بما ليس يحق له فجائزة عليه مثل هذه التهمة للأجنبي. قيل له:
ليست التهمة المانعة من قبول شهادته لابنه ولأبيه تهمة فسق ولا كذب، وإنما التهمة فيه من قبل أنه يصير فيها بمعنى المدعي لنفسه، ألا ترى أن أحدا من الناس وإن ظهرت أمانته وصحت عدالته لا يجوز أن يكون مصدقا فيما يدعيه لنفسه، لا على جهة تكذيبه ولكن من جهة أن كل مدع لنفسه فدعواه غير ثابتة إلا ببينة تشهد له بها؟ فالشاهد لابنه بمنزلة المدعي لنفسه لما بينا. وكذلك قال أصحابنا: إن كل شاهد يجر بشهادته إلى نفسه مغنما أو يدفع بها عن نفسه مغرما فغير مقبول الشهادة، لأنه حينئذ يقوم مقام المدعي والمدعي لا يجوز أن يكون شاهدا فيما يدعيه. ولا أحد من الناس أصدق من نبي الله صلى الله عليه وسلم، إذ دلت الأعلام المعجزة على أنه لا يقول إلا حقا وإن الكذب غير جائز عليه، مع وقوع العلم لنا بمغيب أمره وموافقة باطنه لظاهره، ولم يقتصر فيما ادعاه لنفسه على دعواه دون شهادة غيره حين طالبه الخصم بها، وهو قصة خزيمة بن ثابت، حدثنا عبد الرحمن بن سيما قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا شعيب عن الزهري قال: حدثنا عمارة بن خزيمة الأنصاري أن عمه حدثه - وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسا من أعرابي، وذكر القصة وقال:
فطفق الأعرابي يقول: هلم شهيدا يشهد أني قد بايعتك! فقال خزيمة أنا أشهد أنك بايعته فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على خزيمة فقال: (بم تشهد؟) فقال: بتصديقك يا رسول الله، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين. فلم يقتصر النبي صلى الله عليه وسلم في دعواه على ما تقرر وثبت بالدلائل والأعلام أنه لا يقول إلا حقا، ولم يقل للأعرابي حين قال هلم شهيدا إنه لا بينة عليه. وكذلك سائر المدعين فعليهم إقامة بينة لا يجر بها إلى نفسه مغنما ولا يدفع بها عنها مغرما، وشهادة الوالد لولده يجر بها إلى نفسه أعظم المغنم كشهادته لنفسه، والله تعالى أعلم.
ومن هذا الباب أيضا شهادة أحد الزوجين للآخر وقد اختلف الفقهاء فيها، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر ومالك والأوزاعي والليث: (لا تجوز شهادة واحد منهما للآخر). وقال الثوري: (تجوز شهادة