وقد اختلف السلف في ذلك، فروي عن الحسن وعطاء وإبراهيم قالوا: (ما كان من دم فبمكة وما كان من صيام أو صدقة فحيث شاء). وعن مجاهد قال: (اجعل الفدية حيث شئت). وقال طاوس: (النسك والصدقة بمكة والصيام حيث شئت). وروي أن عليا نحر عن الحسين بعيرا، وكان قد مرض وهو محرم، وأمر بحلقه، ونحر البعير عنه بالسقيا وقسمه على أهل الماء. وليس في ذلك دلالة على أنه رأى جواز الذبح في غير الحرم، لأنه جائز أن يكون جعل اللحم صدقة، وذلك جائز عندنا، والله أعلم.
باب التمتع بالعمرة إلى الحج قال الله تعالى: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) قال أبو بكر: هذا الضرب من التمتع ينتظم معنيين: أحدهما الإحلال والتمتع إلى النساء، والآخر: جمع العمرة إلى الحج في أشهر الحج، ومعناه الارتفاق بهما وترك إنشاء سفرين لهما، وذلك لأن العرب في الجاهلية كانت لا تعرف العمرة في أشهر الحج وتنكرها أشد الانكار، ويروى عن ابن عباس وعن طاوس أن ذلك عندهم كان من أفجر الفجور، ولذلك رجع النبي صلى الله عليه وسلم حين أمرهم أن يحلوا بعمرة على عادتهم كانت في ذلك، حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا الحسن بن المثنى قال: حدثنا عفان قال: حدثنا وهيب قال: حدثنا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال: كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ويجعلون المحرم صفرا، ويقولون: إذا برئ الدبر وعفا الأثر وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر. فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم صبيحة رابعه مهلين بالحج أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلوا، فتعاظم ذلك عندهم قالوا: يا رسول الله أي الحل؟ قال: (الحل كله) فمتعة الحج تنتظم هذين المعنيين: إما استباحة التمتع بالنساء بالإحلال، وإما الارتفاق بالجمع بين العمرة والحج في أشهر الحج والاقتصار بهما على سفر واحد بعد أن كانوا لا يستحلون ذلك في الجاهلية ويفردون لكل واحد سفرا.
ويحتمل التمتع بالعمرة إلى الحج الانتفاع بهما بجمعهما في أشهر الحج واستحقاق الثواب بهما إذا علا على هذا الوجه، فدل ذلك على زيادة نفع وفضيلة تحصل لفاعلهما.
والمتعة على أربعة أوجه، أحدها: القارن، والمحرم بعمرة في أشهر الحج إذا حج من عامه في سفر واحد لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، والمحصر على قول من لا يرى له الإحلال ولكنه يمكث على إحرامه حتى يصل إلى البيت فيتحلل من حجه بعمل العمرة بعد فوت الحج، وفسخ الحج بالعمرة.
وقد اختلف في تأويل قوله تعالى: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من