غيره، وجب أن يكون كذلك حكم كل دم تعلق وجوبه بالإحرام، والمعنى الجامع بينهما تعلق وجوبهما بالإحرام.
فإن قيل: قال الله تعالى: (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله) [الفتح: 25] وذلك في شأن الحديبية، وفيه دلالة على أن النبي عليه السلام وأصحابه نحروا هديهم في غير الحرم، لولا ذلك لكان بالغا محله. قيل له:
هذا من أدل شئ على أن محله الحرم، لأنه لو كان موضع الإحصار هو الحل محلا للهدي لما قال: (والهدي معكوفا أن يبلغ محله) [الفتح: 25] فلما أخبر عن منعهم الهدي عن بلوغ محله دل ذلك على أن الحل ليس بمحل له، وهذا يصلح أن يكون ابتداء دليل في المسألة.
فإن قيل: فإن لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ذبحوا الهدي في الحل، فما معنى قوله:
(والهدي معكوفا أن يبلغ محله) [الفتح: 25]؟ قيل له: لما حصل أدنى منع جاز أن يقال إنهم منعوا، وليس يقتضى ذلك أن يكون أبدا ممنوعا، ألا ترى أن رجلا لو منع رجلا حقه جاز أن يقال: منعه حقه، كما يقال حبسه ولا يقتضى ذلك أن يكون أبدا محبوسا؟ فلما كان المشركون منعوا الهدي بديا من الوصول إلى الحرم جاز إطلاق الاسم عليهم بأنهم منعوا الهدي عن بلوغ محله وإن أطلقوا بعد ذلك، ألا ترى أنه قد وصف المشركين بصد المسلمين عن المسجد الحرام وإن كانوا قد أطلقوا لهم بعد ذلك الوصول إليه في العام المقبل، وقال الله عز وجل: (قالوا يا أبانا منع منا الكيل) [يوسف: 63] وإنما منعوه في وقت وأطلقوه في وقت آخر، فكذلك منعوا الهدي بديا، لما وقع الصلح بين النبي صلى الله عليه وسلم وبينهم أطلقوه حتى ذبحه في الحرم. وقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم ساق البدن ليذبحها بعد الطواف بالبيت، فلما منعوه من ذلك قال الله تعالى: (والهدي معكوفا أن يبلغ محله) [الفتح: 25] لقصوره عن الوقت فيه ذبحه، ويحتمل أن يريد به المحل المستحب فيه الذبح، وهو عند المروة أو بمنى، فلما منع ذلك أطلق ما فيه ما وصفت. وقد ذكر المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أن الحديبية بعضها في الحل وبعضها في الحرم، وأن مضرب النبي عليه السلام كان في الحل ومصلاه كان في الحرم، فإذا أمكنه أن يصلي في الحرم فلا محالة قد كان الذبح ممكنا فيه. وقد روي أن ناجية بن جندب الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ابعث معي الهدي حتى آخذ به في الشعاب والأودية فأذبحها بمكة، ففعل، وجائز أن يكون بعث معه بعضه ونحر هو بعضه في الحرم، والله أعلم.
باب وقت ذبح هدي الإحصار قال الله تعالى: (فما استيسر من الهدي) ولم يختلف أهل العلم ممن أباح