والصفة المشروطة للشهود واجبا، وجب أن يكون كذلك حكم الرهن فيما شرط له من الصفة فلا يصح إلا عليها، كما لا تصح شهادة الشهود إلا على الأوصاف المذكورة، إذ كان ابتداء الخطاب توجه إليهم بصيغة الأمر المقتضى للإيجاب. والوجه الثاني: أن حكم الرهن مأخوذ من الآية، والآية إنما أجازته بهذه الصفة، فغير جائز إجازته على غيرها، إذ ليس ههنا أصل آخر يوجب جواز الرهن غير الآية. ويدل على أنه لا يصح إلا مقبوضا أنه معلوم أنه وثيقة لمرتهن بدينه، ولو صح غير مقبوض لبطل معنى الوثيقة وكان بمنزلة سائر أموال الراهن التي لا وثيقة للمرتهن فيها، وإنما جعل وثيقة له ليكون محبوسا في يده بدينه، فيكون عند الموت والإفلاس أحق به من سائر الغرماء، ومتى لم يكن في يده كان لغوا لا معنى فيه وهو وسائر الغرماء فيه سواء، ألا ترى أن المبيع إنما يكون محبوسا بالثمن ما دام في يد البائع فإن هو سلمه إلى المشتري سقط حقه وكان هو وسائر الغرماء سواء فيه؟.
واختلف الفقهاء في إقرار المتعاقدين بقبض الرهن، فقال أصحابنا جميعا والشافعي: (إذا قامت البينة على إقرار الراهن بالقبض والمرتهن يدعيه جازت الشهادة وحكم بصحة الرهن). وعند مالك أن البينة غير مقبولة على إقرار المصدق بالقبض حتى يشهدوا على معاينة القبض، فقيل: إن القياس قوله في الرهن كذلك، والدليل على جواز الشهادة على إقرارهما بقبض الرهن اتفاق الجميع على جواز اقراره بالبيع والغصب والقتل، فكذلك قبض الرهن، والله أعلم.
ذكر اختلاف الفقهاء في رهن المشاع قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر: (لا يجوز رهن المشاع فيما يقسم ولا فيما لا يقسم). وقال مالك والشافعي: (يجوز فيما لا يقسم وما يقسم). وذكر ابن المبارك عن الثوري في رجل يرتهن الرهن ويستحق بعضه قال: (يخرج من الرهن ولكن له أن يجبر الراهن على أن يجعله رهنا، فإن مات قبل أن يجعله رهنا، كان بينه وبين الغرماء). وقال الحسن بن صالح: (يجوز رهن المشاع فيما لا يقسم ولا يجوز فيما يقسم).
قال أبو بكر: لما صح بدلالة الآية أن الرهن لا يصح إلا مقبوضا، من حيث كان رهنه على جهة الوثيقة وكان في ارتفاع القبض ارتفاع معنى الرهن وهو الوثيقة، وجب أن لا يصح رهن المشاع فيما يقسم وفيما لا يقسم، لأن المعنى الموجب لاستحقاق القبض وإبطال الوثيقة مقارن للعقد وهو الشركة التي يستحق بها دفع القبض للمهايأة، فلم يجز