فالواجب تبديلها وردها إلى العدل، قال الله تعالى: (غير مضار وصية من الله [النساء:
12] فإنما تنفذ الوصية إذا وقعت عادلة غير جائرة وقد بين الله تعالى ذلك في الآية التي تليها.
باب الشاهد والوصي إذا علما الجور في الوصية قال الله تعالى: (فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه).
قال أبو بكر: حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق قال: حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال:
حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن قتادة في قوله تعالى: (فمن خاف من موص جنفا أو إثما) قال: (هو الرجل يوصي فيجنف في وصيته فيردها الولي إلى العدل والحق).
وروى أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس قال: (الجنف الخطأ والإثم العمد). وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد، وابن طاوس عن أبيه: (فمن خاف من موص جنفا أو إثما) قال: (هو الموصى لابن ابنه يريد لبنيه). وروى المعتمر بن سليمان عن أبيه عن الحسن في الرجل يوصي للأباعد ويترك الأقارب قال: (يجعل وصيته ثلاثة أثلاث: للأقارب الثلثين، وللأباعد الثلث). وروى عن طاوس في الرجل يوصي للأباعد قال: (ينزع منهم فيدفع للأقارب إلا أن يكون فيهم فقير).
قال أبو بكر: الجنف الميل عن الحق، وقد حكينا عن الربيع بن أنس أنه قال:
(الجنف الخطأ) ويجوز أن يكون مراده الميل عن الحق على وجه الخطأ، والإثم ميله عنه على وجه العمد، وهو تأويل مستقيم. وتأوله الحسن على الوصية للأجنبي وله أقرباء أن ذلك جنف وميل عن الحق، لأن الوصية كانت عنده للأقارب الذين لا يرثون، وتأوله طاوس على معنيين، أحدهما: الوصية للأباعد فترد إلى الأقارب، والآخر: أن يوصي لابن ابنته يريد ابنته. وقد نسخ وجوب الوصية للوالدين والأقربين: (فمن خاف من موص جنفا أو إثما) غير موجب أن يكون هذا الحكم مقصورا على الوصية المذكورة قبلها، لأنه كلام مستقل بنفسه يصح ابتداء الخطاب به غير مضمن بما قبله، فهو عام في سائر الوصايا إذا عدل بها عن جهة العدل إلى الجور، منتظمة للوصية التي كانت واجبة للوالدين والأقربين في حال بقاء وجوبها، وشاملة لسائر الوصايا غيرها، فمن خاف من سائر الناس من موص ميلا عن الحق وعدولا إلى الجور فالواجب عليه إرشاده إلى العدل والصلاح. ولا يختص بذلك الشاهد والوصي والحاكم دون سائر الناس، لأن ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فإن قيل: فما معنى قوله تعالى: (فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح