راجعها جاز له إيقاع الطلاق في الطهر الثاني، وجب أن يجوز ذلك له إذا لم يراجعها، لوجود المعنى الذي من أجله جاز إيقاعه في الطهر الأول، إذ لا حظ للرجعة في إباحة الطلاق ولا في حظره، ألا ترى أنه لو راجعها ثم جامعها في ذلك الطهر لم يجز له إيقاع الطلاق فيه ولم يكن للرجعة تأثير في إباحته؟ فوجب أن يجوز له أن يطلقها في الطهر الثاني قبل الرجعة كما جاز له ذلك لو لم يراجع.
فإن قيل: لا فائدة في الثانية والثالثة، لأنه إن أراد أن يبينها أمكنه ذلك بالواحدة بأن يدعها حتى تنقضي عدتها، وقال تعالى: (ولا تتخذوا آيات الله هزوا) [البقرة: 231] وهذا هو الفرق بينه إذا راجعها أو لم يراجعها في إباحة الثانية والثالثة إذا راجع، وحضرهما إذا لم يراجع. قيل له: في إيقاع الثانية والثالثة فوائد بتعجلها لو لم يوقع الثانية والثالثة لم تحصل له، وهو أن تبين منه بإيقاع الثالثة قبل انقضاء عدتها، فيسقط ميراثها منه لو مات ويتزوج أختها وأربعا سواها على قول من يجيز ذلك في العدة، فلم يخل في إيقاع الثانية والثالثة من فوائد وحقوق تحصل له، فلم تكن لغوا مطرحا، وجاز من أجلها إيقاع ما بقي من طلاقها في أوقات السنة كما يجوز ذلك لو راجعها. وبالله التوفيق.
باب الاختلاف في الطلاق بالرجال قد أبو بكر رحمه الله: اتفق السلف ومن بعدهم من فقهاء الأمصار على أن الزوجين المملوكين خارجان من قوله تعالى: (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) واتفقوا على أن الرق يوجب نقصان الطلاق، فقال علي وعبد الله: (الطلاق بالنساء) يعني أن المرأة إن كانت حرة فطلاقها ثلاث حرا كان زوجها أو عبدا، وأنها إن كانت أمة فطلاقها اثنتان حرا كان زوجها أو عبدا، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف وزفر ومحمد والثوري والحسن بن صالح. وقال عثمان وزيد بن ثابت وابن عباس: (الطلاق بالرجال) يعنون أن الزوج إن كان عبدا فطلاقه اثنتان سواء كانت الزوجة حرة أو أمة، وإن كان حرا فطلاقه ثلاث حرة كانت الزوجة أو أمة، وهو قول مالك والشافعي. وقال ابن عمر: (أيهما رق نقص الطلاق برقه) وهو قول عثمان البتي. وقد روى هشيم عن منصور بن زادان عن عطاء عن ابن عباس قال: (الأمر إلى المولى في الطلاق أذن له العبد أو لم يأذن) ويتلو هذه الآية: (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ) [النحل:
75]. روى هشام عن أبي الزبير عن أبي معبد مولى ابن عباس، أن غلاما كان لابن عباس طلق امرأته تطليقتين، فقال له ابن عباس: (ارجعها لا أم لك! فإنه ليس لك من الأمر شئ. فأبى، فقال: (هي لك فاتخذها). فهذا يدل على أنه رأى طلاقه واقعا لولاه لم يقل له (ارجعها) وقوله: (هي لك) يدل على أنها كانت أمة. وجائز أن يكون الغلام حرا،